لم يعد ممكناً رأب الصدع بين مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني وبين معارضيه الذين نجحوا في التوقيع على عريضة ضمت أكثر من 82 عضواً يشكلون أكثرية 75 في المئة من الأعضاء الذين تتألف منهم هيئة انتخاب المفتي، طالبوا فيها بإعفائه من منصبه قبل انتهاء ولايته في أيلول (سبتمبر) عام 2014. واستبق قباني وضع الآلية لإعفائه من منصبه بدعوة المجلس الشرعي غير المعترف فيه رسمياً والمطعون في انتخاب أعضائه من مجلس شورى الدولة، الى اجتماع استثنائي رد فيه المجتمعون وفق بيان صادر عنهم أمس، «على ما يشاع عن المس بمقام وشخص مفتي الجمهورية من جهات سياسية تسعى لتحقق أهداف فئوية وإيقاع الفتنة داخل الطائفة». ورأوا أن «ما يتعرض له من حملات حاقدة يأتي في سياق استهداف يخفت حيناً ويعلو حيناً آخر، لا سيما عندما تلحق مواقف قباني الضرر بأصحاب المصالح». غير أن خصومه ممن وقعوا على العريضة وفي مقدمهم الرؤساء نجيب ميقاتي، عمر كرامي، فؤاد السنيورة، سعد الحريري وتمام سلام يتجهون الى وضع طلب إعفائه موضع التنفيذ قريباً. ورد قباني على طلب إعفائه بالتأكيد أمام المجتمعين في دار الفتوى بدعوة منه، أنه «لن يغادر هذه الدار إلا على جثته أو عندما تنتهي ولايته ومحاولات إعفائه لن تجدي نفعاً». وقالت مصادر مقربة من الموقعين على العريضة، إن «المسؤولية الأولى والأخيرة تقع على عاتق قباني لأنه أقفل الباب في وجه الدور التوفيقي الذي تولاه ميقاتي ورؤساء الحكومة السابقين ونص على وقف دعوته لانتخاب أعضاء جدد في المجلس الشرعي، وأن يستمر المجلس الشرعي الممدد له الى حين إجراء الانتخابات في مهلة أقصاها ثلاثة أشهر». وأكدت أن الرئيس سليم الحص أيد مبادرة رؤساء الحكومات لكنه عاد وعدل عن تأييده، وقالت إن «شورى الدولة طلب وقف تنفيذ الدعوة لإجراء الانتخابات ومن ثم طعن فيها، إضافة الى أنه رد الطعن المقدم من قباني حول شرعية المجلس الشرعي الممدد له». ولفتت المصادر الى أنه «لم يكن من مخرج للنزاع القائم مع المفتي سوى اللجوء الى إعداد عريضة موقعة من أكثر من 75 في المئة من أعضاء مجلس الانتخاب من أصل 104 أعضاء»، وقالت إن الحص الوحيد من رؤساء الحكومات الذي رفض التوقيع عليها. ورأت أن العريضة «تلزم الموقعين عليها بمضمونها أي بالموافقة على عزل المفتي وإعفائه من منصبه من خلال عقد مجلس الانتخاب في دورة انتخابية». وأضافت أن المجلس الممدد له سيجتمع للبحث في بند وحيد يتعلق بإعفاء المفتي من منصبه على أن يحدد الأسباب الموجبة ويحدد في ضوئها موعد انتخاب المفتي الجديد. وكشفت أن «الأسباب الموجبة للإعفاء متعددة، أبرزها الملف المالي وتعطيل مؤسسات دار الفتوى وضرب بنيتها التنظيمية وشلّ فاعليتها والتفرد في إدارتها». وذكرت على سبيل المثال أن قباني «يرفض تعيين العمدة لمؤسسة الدكتور محمد خالد وإنشاء الصندوق المستقل لقبول الهبات والتبرعات التي يمكن الإفادة منها في مساعدة المحتاجين من أهل السنّة، إضافة الى أنه شكل سابقة في تاريخ علاقة دار الفتوى بالدولة والقضاء عندما رفض الانصياع لطلب شورى الدولة بوقف تنفيذ الدعوة لانتخاب أعضاء المجلس الشرعي».