لأنه عزاء نادر، يختلط فيه استذكار مشاهد القتل البشعة، والألم الذي يعصر أفئدتهم كلما لاحت أمامهم صور أقاربهم المغدورين، بمشاعر فيها الكثير من الفخر والنشوة لتحول ثوار حي باب عمرو السوري إلى شهداء في طريق الحق والحرية والكرامة، لذلك كله لا يمكن وصف أجواء مجلس عزاء أقامه أهالي بابا عمرو أول من أمس في العاصمة الرياض، وسط حضور كثيف من مواطنين سوريين وسعوديين وعرب، ووفود من إدلب ودرعا وحلب والقامشلي وريف دمشق والسويداء، إذ تخلله حفلة التهاني بالشهادة بمشاركة منشدين وناشطين وشعراء، كما كان شعار العزاء الإصرار على المضي في الثورة حتى إسقاط نظام الأسد. وأوضح الدكتور محمود صبوح من أهالي بابا عمرو ل«الحياة» أن 18 فرداً من أسرته استشهدوا في يوم واحد، بعد أن اقتحمت القوات السورية والشبيحة الحي، ودهموا منزل أسرة صبوح وعدداً من المنازل، وذبحوا كل من فيها بالسكاكين بكل غدر وكراهية، ولم يكتفوا بذلك، بل كتبوا على أجساد النساء والأطفال وجدران المنازل أن من قام بالمجزرة «كتيبة الفاروق» التابعة للجيش الحر، لافتاً إلى أن الإعلام السوري كاذب ومزيف للحقائق، إذ إنه نقل بشكل سريع المجزرة على أن من قام بها هم أفراد الجيش الحر، مع أن الجيش الحر هو من كان يدافع عن الأهالي لآخر لحظة قبل اقتحام الحي، وهو من قام كذلك بتهريب وإخراج عدد كبير جداً من أهالي بابا عمرو إلى خارج الحي. وذكر أن أفراد أسرته المغدورين كان أكبرهم يبلغ من العمر 85 عاماً، وأصغرهم الطفلة فاتن وعمرها عام واحد فقط، والبقية كانوا من الشباب والنساء والأطفال الأبرياء الذين لا ذنب لهم، وأنه يوم أول من أمس وصلتهم أخبار عن مقتل ستة أشخاص من عائلته وبالطريقة نفسها لمجرد أنهم خرجوا بمظاهرة تندد بمجازر النظام، لافتاً إلى أن النظام السوري يتعمد ارتكاب المجازر بحق أهالي بابا عمرو لردع كل من يطالب بالحرية والكرامة، إلى جانب الحقد الدفين الذي يكنه النظام للشعب السوري في حمص وبقية المناطق السورية الثائرة، وأن التهديدات تصل حتى إلى السوريين الناشطين خارج سورية بقتل أسرهم إذا حاولوا التحدث عن النظام في وسائل الإعلام المختلفة. وذكر أن بعض الجثث في حي بابا عمرو لا تزال تحت الأنقاض منذ أيام عدة بسبب عدم استطاعة احد من الوصول إليها، إضافة إلى استمرار القصف من دون توقف على بقية أحياء حمص، وتأجير النظام عدد من العائلات الموالية له في «حي الزهراء»، لإدخالها بابا عمرو والحديث للتلفزيون السوري بان المجموعات المسلحة والجيش الحر هو من دمر الحي وليس الجيش، لافتاً إلى أن الهدف المقبل للنظام هي مدينة إدلب بعد أن سربت أخبار لهم عبر الناشطين في الداخل حول هذا الموضوع. وأضاف أن الشعب السوري مستمر في هذه الثورة حتى سقوط «طاغية الشام»، حتى وان حاول النظام قتل نصف الشعب السوري الأعزل، مشيراً إلى انه في الوقت الحالي لا توجد اتصالات أو غذاء أو دواء لمن تبقى في بابا عمرو، وإنما يعرفون أخبارهم عن طريق الفارين من بابا عمرو، مناشداً العالم التدخل لإنقاذ الشعب السوري، خصوصاً في ظل المواقف السعودية الأخوية الصادقة تجاه الشعب السوري الأعزل المظلوم. من جهته، ذكر عبدالمعين شقيق الشهيد عبدالقادر الهنطاوي أن شقيقه قتل في بابا عمرو على أيدي الجيش السوري أثناء اقتحامه لبابا عمرو قبل خمسة أيام، وأن شقيقه كان يخرج في المظاهرات الشعبية السلمية المطالبة بإسقاط النظام السوري، ولم يكن يحملون بأيديهم سوى أعلام الثورة وصدورهم العارية بخلاف ما يدعيه النظام من وجود جماعات إرهابية مسلحة، مشيراً إلى انه قتل مع عدد من رفاقه على يد حاجز امني أثناء المظاهرة، عند محاولة منه وبعض أقاربه لإغاثة الجرحى والمنكوبين وإخراجهم من تحت ركام المباني التي قصفها النظام على مدى 27 يوماً، وأن خمسة من أفراد أسرته قتلوا قبل شقيقه بأيام بعد أن هدم منزلهم على من فيه من نساء وأطفال بقذيفة دبابة، وأن منزلهم هدم جراء تلقيه عدداً من قذائف المدفعية إلى جانب عدد كبير جداً من منازل الحي. من جانبه، لفت أحمد مخزوم شقيق الشهيد عبدالله مخزوم إلى أن شقيقه أعدم ميدانياً «على الهوية» في بابا عمرو على أيدي قوات النظام السوري بعد أن تم اعتقاله في منزله، عندما أخذوه لمسافة 20 متراً عن أنظار أسرته وقاموا بإطلاق النار عليه، ومن ثم اخذ جثته واحتجازها لدى فرع الأمن لمدة ستة أيام، إذ كانوا يرفضون تسليم جثه شقيقه لوالده إلا بشرط أن يوقع والده على ورقة اتهام المجموعات المسلحة بقتل ابنه، وان الجيش السوري لا علاقة له بذلك، مشيراً إلى أن حي بابا عمرو تعرض لمحاولة الاقتحام أكثر من عشر مرات بيد أن جيش النظام وشبيحته لم يستطيعوا دخول الحي ومواجهة 200 فرد من الجيش الحر المنشق الذي رفض إطلاق النار على النساء والأطفال والشيوخ على مدى 27 يوماً، وأن عدداً من الإعدامات تمت على الهوية وعلى الديانة في حي بابا عمرو وفي بعض المناطق الأخرى في حمص.