شكّل قرار المصرف المركزي الأوروبي منح 800 مصرف مبلغ 529.53 بليون يورو في قروض منخفضة الفائدة لثلاث سنوات، خطوة جدية نحو تحقيق استقرار النظام المالي الأوروبي وتنشيط التسليف. لكن يبقى سؤال عما إذا كانت هذه الخطوة كافية لتهدئة المخاوف من أزمة ديون منطقة اليورو، خصوصاً في إسبانيا، التي شهدت تظاهرات ضخمة رفضاً لخطة لإصلاح سوق العمل أقرتها الحكومة أخيراً، وهو أمر يدعو إلى التساؤل عما إذا كانت البلاد ستنزلق إلى أزمة حقيقية تستدعي خطة إنقاذ على غرار شريكاتها في منطقة اليورو إرلندا والبرتغال واليونان. ويرجع السبب الرئيس للتخوف من أزمة مالية في إسبانيا إلى التراجع الذي يعانيه اقتصاد البلاد، إذ سجل للمرة الأولى في سنتين، نمواً سلبياً نسبته 0.3 في المئة في الربع الأخير من عام 2011. وتوقع صندوق النقد الدولي تراجع الناتج المحلي الإجمالي 1.7 في المئة هذه السنة، وهو ما أكده وزير الاقتصاد لويس دو بويندوز قبل أيام، بعدما كانت توقعات الصندوق تشير إلى نمو نسبته 1.1 في المئة، كما توقع تسجيل عجز في الموازنة نسبته 6.8 في المئة العام الماضي، ورجّح بقاء الاقتصاد الإسباني في حال ركود خلال عام 2013 أيضاً، محذراً من احتمال أن يشهد الاقتصاد العالمي ركوداً في حال تفاقم مشكلة الديون الأوروبية وانتشارها. وأدى هذا التراجع في النمو إلى تفاقم مشكلة البطالة التي بلغت ذروتها نهاية الشهر الماضي عندما بلغ معدلها 22.9 في المئة، إذ زاد عدد العاطلين من العمل بمقدار 177 ألف شخص، ويُتوقع أن يبلغ 24.3 في المئة هذه السنة، وترافق ذلك مع أزمة القطاع العقاري التي بدأت مطلع عام 2008. أما الدَّين العام، فسجّل نهاية الربع الرابع من العام الماضي نحو 65 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، متجاوزاً السقف الذي حدّده الاتحاد الأوروبي عند 60 في المئة. ومع أن هذا الرقم يُعتبر ضئيلاً مقارنة بدول أوروبية أخرى، منها اليونان حيث وصلت نسبة الدين إلى الناتج المحلي إلى 160 في المئة، وفي البرتغال إلى 115 في المئة، وفي إيطاليا إلى 120 في المئة، إلا أن مصدر القلق يعود إلى الوتيرة السريعة لنمو الدَّين، الذي يُعزى إلى الإنفاق الحكومي الضخم المُموّل بالدين، كما هي الحال في باقي دول المنطقة. معضلة ديون المصارف وتبقى المشكلة الأبرز التي تواجهها إسبانيا هي قلق الأسواق من الديون الضخمة التي منحها القطاع المصرفي الإسباني إلى دول منطقة اليورو، إذ تصل إلى 229.6 بليون يورو، في حين يصل الدَّين إلى البرتغال وحدها إلى 100 بليون يورو، أي نحو سبعة في المئة من الاقتصاد الإسباني، ما يعني أن المشكلة الحقيقية هي في تعثر أي من هذه الدول، حينئذ ستجد الحكومة نفسها مضطرة إلى تفادي انهيار مصارفها وتحمّل ديونها، ما سيضعها في موقف صعب. ونتج عن كل هذه العوامل، خفض وكالة التصنيف الائتماني «موديز» تصنيف إسبانيا درجتين من Aa2 إلى A1، في حين خفضت وكالة «فيتش» التصنيف من AA+ إلى AA-، و «ستاندرد أند بورز» من AA إلى AA-، ما زاد من قلق الأسواق ودفع الحكومة إلى رفع الفائدة على السندات لثلاث سنوات من 2.8 إلى 3.3 في المئة. وكان رئيس الوزراء ماريانو راخوي أعلن في 30 كانون الأول (ديسمبر) الماضي خطة تقشف تحقق للحكومة 7.8 بليون دولار عبر رفع الضرائب، و11.5 بليون عبر خفض الإنفاق، كما وعد بخفض عجز الموازنة إلى 4.4 في المئة هذه السنة، وهي نسبة متفائلة جداً ويراها البعض غير منطقية في ظل النمو الضعيف في البلاد، في حين كانت إسبانيا وعدت سابقاً بأن عجز الموازنة لعام 2011 سيسجّل ستة في المئة، إلا أنها أعلنت أخيراً أنه بلغ 8.5 في المئة. كل هذه الوعود المتفائلة، إضافة إلى الفشل في الالتزام بالمعايير الأوروبية، ونسبة انكشاف المصارف إلى الديون الأوروبية، تعزّز الشكوك في الاقتصاد الإسباني وتُقلق المستثمرين وتؤثر سلباً في الاقتصاد، الذي لا يبدو سيئاً جداً حتى الآن، لكنه يبقى تحت خطر ما يُعرف بتأثير الدومينو، أي أن يؤدي انهيار دولة ما، إلى انهيار أخرى.