علق موظفون تابعون لوزارة الثقافة العراقية لافتة كبيرة على مبنى المسرح الوطني، وسط العاصمة بغداد، يقول مضمونها إنها تناصر الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب. ولعلها بذلك تفسر حالة السكون في النشاطات الفنية منذ اندلاع المعارك مع تنظيم «داعش». في الأسابيع الأخيرة، توقفت في شكل تلقائي النشاطات الفنية في بغداد، لأن الخوف الذي يسيطر على الناس شمل نخبة الممثلين والرسامين والموسيقيين. وشعر كثيرون بأن المستقبل مجهول، ومن هؤلاء عدد كبير من المشتغلين في الفنون المختلفة الذين لا يعرفون ما يفعلون، بينما البلاد تقترب من الهاوية. يقول جميل النفس، وهو مخرج مسرحي عراقي، إن «الانهيار الأمني الذي حدث في العاشر من حزيران (يونيو) ألقى بظلاله الثقيلة على المشهد الفني». ويضيف أن «ما حدث في ذلك اليوم كان أمراً مفجعاً، وكانت الصدمة كبيرة جداً على الفنان الذي ربما يختلف عن عموم الناس، إذ يستشعر خطر الحادث والتهديد الذي يشكله على الحياة الاجتماعية». ويلفت إلى أن «السلاح والحرب والقتل أسلحة لا يتعامل بها الفنان، وما حدث أحدث فراغاً مقلقاً في حياتنا، وعند غياب الاستقرار تتوقف قدرة الفنان على الابداع». في ظل هذا الواقع الضاغط، تعطلت النشاطات الفنية، وعلى سبيل المثال كانت «قاعة الرباط» تقدم أسبوعياً عرضاً موسيقياً لأحد العازفين العراقيين، لكن القاعة اليوم خالية من الفن وجمهوره. قاعات الفنون التشكيلية، المنتشرة في شارع أبي نواس، لم تفتح أبوابها منذ أن أندلعت الأزمة الأمنية، ولا يمكن أن تشاهد عند أبواب تلك القاعات سوى حارس وواجهة تغطيها الأتربة. خلافاً للسائد، وعلى النقيض من حالة الكساد الفني في البلاد، قدمت فرقة مسرحية عرضاً في شارع المتنبي. ليس عليك أن تكتشف أن هذا العرض محاولة لكسر الجمود، لأنه عرض مموّل من وزارة الداخلية، وكتب لخدمة التعبئة العسكرية التي يديرها الإعلام الحكومي. ولم تجد الصحافة الفنية في العراق ما تغطيه سوى تلك الأخبار التي تتحدث عن جهود بعض الفنانين الذين يعربون عن تأييدهم للحكومة. لكنها، في الوقت نفسه، تحاول شغل الفراغ عبر تغطية معارض فنية وحفلات موسيقية، يقيمها عراقيون خارج البلاد. غير أن الجو العام المشغول ب «داعش»، تغيّر حين توفي الملحن المخضرم محمد جواد أموري. وغطت الصحافة خبر غيابه على نطاق واسع، ونسي متابعوها المناخ المضطرب الذي تسبب به تنظيم «داعش». وتوفي أموري عن عمر ناهز التاسعة والسبعين بعد معاناة طويلة من امراض الشيخوخة ادخلته المستشفى مرات عدة في السنوات الاخيرة من حياته. والحال، أن اليأس والقلق من المستقبل وضعا منتجي الفنون في العراق في زواية الانتظار، إذ لا يمكنهم فعل شيء، أو التفكير لإبداع أي عمل جمالي في بلاد تقترب من شفير الانهيار الكبير.