كلما أصيب العرب بنكسة ما كثر الحديث في الأوساط الأجنبية أو المعادية في شكل خاص، عن نفسية العربي كمحاولة لجعل كل نكبة يصاب بها العرب نتيجة طبيعية لسماتهم النفسية. وما أكثر ما قيل من أن الشخصية العربية تهوى الألفاظ وأناقتها أكثر مما يغريها التعامل الحي مع الآلة والمادة، وأن هذه الشخصية قليلة الاستفادة من تجارب الماضي (إنهم لا يقرأون حتى ما يهمهم أن يعرفوه عن أسباب نكباتهم وخطط أعدائهم) وأن في هذه الشخصية ميلاً إلى الحياة المثالية يزيد كثيراً عن الميل إلى الحياة الواقعية. ومن الطبيعي أن يقابل هذه الاتهامات رد فعل عربي، ألا وهو النفي الكامل لها، والاحتجاج بهذا البرهان أو ذاك على كذبها أو أخطائها. وفي رأيي أن هذا الدفاع الطبيعي يظل ساذجاً على براءته وسلامة نيته. وعندما تكون أداة الحرب سلاحاً ونفوساً، ويكون سلاحك كسلاح عدوك ثم لا تكون الغلبة لك، فلا ريب في أن عليك أن تتهم نفسك بأخطاء تعترف بها أولاً، لتحاول اتقائها في التجربة المقبلة. أما القول بأنك بريء دوماً ولا عيب فيك ولا شائبة في سلوكك، فإنه ليس مما يستقيم مع المنطق ولا ينفع في التجارب المقبلة. إن شعوب الأرض كلها تتساوى مع الوجهة النفسية، وقد يوجد فرد أذكى من آخر، أما أن يوجد شعب كامل أكثر ذكاء من شعب آخر فهذا نوع من العرقية يرفضه العلم في أيامنا هذه بالكثير من البراهين. غير أن هذا لا يحول دون وجود طباع قومية غالبة يتميز بها. لقد خيل إلينا من خلال ملاحظات شتى أن الطبع العربي يتميز بشيء من الفردية البدائية تظهر في إيثار مصالحها الخاصة على المصلحة الجمعية، ولكن هذه الفرضية تظل كذلك. وأتمنى أن توجد لدى الآخرين براهين دامغة على بطلانها. أظن أن مجتمعنا العربي الذي أتيح له يوماً أن يرقى إلى أسمى مراتب التاريخ المثل العليا قد يطرح على نفسه هذا التساؤل: لم أنا متخلف؟ ولا بد له من أن يجد جواباً، ولا بد له من تقنين سلوكه للمستقبل. وإنه يحز في نفسي أن هذا السؤال لا يطرح إلا سطحياً، وأن الجواب يظل غامضاً، فلا هو يكشف عن علة ولا هو يجد دواء. * كاتب فلسطيني