بينما ينشغل الهولنديون بمتابعة أخبار أميرهم الشاب يوهان فريسو الذي تعرض لحادثة أوقعته في غيبوبة قد لا يصحو منها، كما كشف التقرير الطبي الرسمي الأول وبينما أعرب كثر من الهولنديين عن غضبهم في هذه الأيام الصعبة من إعلام بلدهم الذي يقف عشرات من المشتغلين فيه مقابل المستشفى النمسوي الذي يرقد فيه الأمير، لتسجيل دخول أو خروج كل زائر، وبخاصة لترقب والدته الملكة بياتريكس التي تبدو أنها شاخت في أيام قليلة فقط ... في هذه الأيام ذاتها التي فتحت عشرات المدن الهولندية مراكز خاصة لاستقبال الهولندين الراغبين بتسجيل كلماتهم المتعاطفة مع العائلة المالكة أو الحديث عن مشاعرهم تجاه الحادثة، اختارت قناة RTL التلفزيونية الهولندية التجارية عرض برنامج تلفزيوني مثير للجدل، عن مصابين بحوادث خطرة، تلاحقهم الكاميرا ليوم كامل، ما أثار ردود فعل مستنكرة من سياسيين وشخصيات عامة، في ظاهرة لم تعرفها الحياة الإعلامية الهولندية. هل هو سوء توقيت أم إن الضجة تتعلق بطبيعة البرنامج التلفزيوني نفسه؟ لا فارق، إذ يبدو أن هذا التزامن أطلق العنان، لغضب مكبوت منذ سنوات طويلة على التلفزيون وبرامجه التي تقتحم خصوصيات الناس، في أحلك ساعات ضعفهم أحياناً. وهذا بالضبط ما يفعله البرنامج الجدلي «24 ساعة بين الحياة والموت» الذي ترافق كل حلقة من حلقاته مجموعة من الحالات الطبية المستعجلة، والتي تصل إلى قسم الطوارئ في مستشفى في العاصمة الهولندية أمستردام، لتصوّر من خلال كاميرات توضع في سقوف غرف المستشفى، وأحياناً بكاميرات صغيرة، يحملها العاملون في البرنامج الذين يرتدون بدلات بيضاء، تشبه تلك التي يرتديها العاملون في المستشفيات. وعلى رغم أن برامج المستشفيات ليست غريبة على الشاشات التلفزيونية، إلا أن الذي يميز البرنامج الجديد، هو تلك المشاهد الطويلة لوصول المصابين إلى غرف الطوارئ، والتي تبدو أحياناً كدهر طويل، بخاصة عندما يرافقها هلع وبكاء المرافقين للمصاب... كل هذا يمر أحياناً بلقطات طويلة من دون تقطيع، أو انتقال إلى مشاهد أقل وطأة من المشاهد العاطفية التي تصوّر المصابين في وجعهم أو أهلهم المفجوعين أيضاً. في المقابل دافعت الشركة المنتجة للبرنامج والقناة التلفزيونية التي سمحت بعرضه، عن أخلاقيات العمل، وأظهرت أنها حصلت على موافقات خطية من المرضى الذين ظهروا في البرنامج وعائلاتهم للسماح باستخدام مشاهدهم. حجة البرنامج هذه، لم تخفف من قسوة الهجمات عليه، بخاصة أن مرضى كشفوا للإعلام الهولندي بأنهم لم يكونوا في حال ذهنية مناسبة للتفكير بالموضوع كله، وبعضهم اعتقد أن التصوير هو جزء من خطة المستشفى للتوثيق. ولم يسلم المستشفى الذي سمح بالتصوير فيه من هجمات الإعلام والبرلمان الهولندي، وهي الهجمات التي أدت في النهاية إلى ضغط إدارة المستشفى ذاته على القناة التلفزيونية لوقف بث حلقات البرنامج، بعد عرض الحلقة الأولى منه. جزء من الانتقاد طاول الاستقلالية التي يتمتع بها كثير من المستشفيات في أوروبا، وكيف أن غياب سياسة واضحة تخص الحفاظ على خصوصية المريض تؤدي إلى نتائج سيئة أحياناً. واللافت أن لسنوات طويلة، غاب تقريباً النقد الذي يطاول برامج تلفزيونية لاعتبارات أخلاقية، بل إن نقداً كهذا غالباً ما كان يوصم بأنه ينتمي إلى الجيل القديم الذي لا يُفهم سبب شكواه، خصوصاً أن بإمكان أي شخص أن يغير القناة التي يشاهدها إذا لم يعجبه المحتوى، فلماذا التذمر؟ ولهذا قد يكون مناخ الحزن في هولندا منذ حادثة الأمير، قد شجع كثراً ومن مختلف الأجيال للتعبير عن غضبهم مما يقوم به بعض البرامج التلفزيونية من تجاوزات تمسّ الخصوصيات الفردية.