الكل يعرف ما دار على أرض الميدان، وما من حقيقة لها علاقة بالمونديال إلا وباتت مشاعاً، تبقى الصور الأخرى للمونديال، الوجه الثاني للحقيقة، وهو صورة ضبابية يرويها البعض ويتعمد الكثيرون إخفائها، تلك الحقيقة تقول أن ل«مونديال» البرازيل وجه ثان، وجه لا يروى في تتويج ألمانيا أو خروج إنكلترا وإيطاليا، ولا حتى في جائزة ميسي ومظلمة روبن. حقيقة تبدو جلية في ضحكة إليزا الشابة البرازيلية البسيطة قبل موافقتها على مساعدتنا في تسليط الضوء على الوجه الآخر من المونديال، إليزا التي جاء طلب «الحياة» لها واضحاً وبسيطاً، وهو مرافقتنا في جولة على أحياء ساوباولو الفقيرة للوقوف على أسباب رفض عشاق كرة القدم لاحتضان أهم فعالياتها، تلك الضحكة تبررها مدربة السباحة بالقول: «ببساطة كل الأحياء هنا فقيرة، ما يضحكني هو اقتناعك بأن مباني شارع باوليستا الفاخرة تروي حقيقة البرازيل، هذا الشارع سيتحول ليلاً إلى مأوى لكل المشردين، فقط انتظر وراقب». على بعد 20 خطوة من فندق «ميليا باوليستا» ذي النجوم الخمس الذي احتضن وفد «الحياة» تقع محطة القطار، وعلى رغم أن أحداً لا ينصحك بمغادرة الفندق سيراً على الأقدام بعد ال10 مساء إلا أن تجربة واحدة لن تضر، وهو ما حدث في الشارع الفاخر الممتلئ عن آخره بالفنادق والمحال التجارية وباتت أطرافه تعج بالمشردين، عشرات من البشر قرروا أن يتوسدوا أرصفة الطريق، يحملون على ظهورهم ما يكفيهم برد الليل، وينتظرون مرروك فقط ليمدوا أيديهم، لا طلباً للمال كما يحدث في مختلف دول العالم، بل طلباً لأي مما تحمله معك، قارورة ماء مثلاً، أو حتى أي نوع من الأطعمة. أياد تمتد إليك، في البداية تقدم المال كما تعودت، لكنهم لا يعبؤون به، كل ما يشغلهم الآن هو ما تحمله في يدك، سواء أكان طعاماً أم شراباً، أو حتى سيجارة، في مشهد يتكرر مع كل مشرد تمر بجواره، ضحكة إليزا التي لم نفهمها في المرة الأولى أدركنا مغزاها بعد الجولة الليلة الأولى في «باوليستا». مشردون مطرودون مجبرون على الصمت. عشوائيات الفقر مراقبة ب60 مليوناً. انتهى «العرس»... أقنعوا التجار بذلك.