حتى وهي تستضيف حفلة افتتاح المونديال كانت مظاهر الحياة فيها طبيعية، درجة أن الكثيرين استغربوا تخلي مدينة ساوباولو البرازيلية عن أي مشهد يعكس حقيقة الحدث المنتظر الذي تشهده، لكن الوضع لم يكن كذلك قبيل لقاء إنكلترا بالأوروغواي. منذ مباراة افتتاح كأس العالم لم تستضف ساوباولو أية مباراة قبل معركة الأوروغواي وإنكلترا، إذ وجد رجال الشرطة في المدينة فرصة التقاط الأنفاس بعد أيام من الشغب شهدتها المدينة نتيجة مظاهرات المعارضين للمونديال، لكن خسارة طرفي المباراة في الجولة الأولى دقت نواقيس الخطر هنا قبل لقائهما. على ما يبدو أن رجال الشرطة كانوا على علم بأهمية المباراة، أو على الأقل تلمسوه في الحضور الكبير للجماهير الإنكليزية إلى ساوباولو، ذلك ما تقوله التغيرات الكبيرة التي عاشتها المدينة بشكل سريع، فشارع باوليستا الأهم في المدينة شهد انتشار رجال الأمن في كل تقاطعاته، إضافة إلى مراكز شرطة صغيرة محصنة سكنت الزوايا الخلفية للشارع. مظاهر الحياة الليلية المخيفة في الشارع الخلفي الموازي لباوليستا اختفت تماماً ليلة المباراة. خروج بعد التاسعة مساء من الفندق لتناول العشاء في أحد المطاعم الفاخرة الواقعة في الحي الخلفي لباوليستا كان يعني في الغالب تلقيك عروضاً صريحة لشراء «المخدرات» بأنواعها، في مشهد مخيف لسائح يتعرف على المدينة للمرة الأولى، لكن أولئك البائعين اختفوا فجأة بعد أن عجت الشوارع برجال الشرطة الذين لم يتركوا مكاناً إلا وقفوا فيه. «فيلا مادينا» الحي الصغير الممتلئ بالمطاعم والحانات، الذي يكون عادة وجهة لكل الشبان المحليين في المدينة تحول إلى ساحة ضخمة للسياح، رجال الشرطة يطوقون المنطقة، وجماهير إنكلترا والاوروغواي تقف على طرفي الشارع كل إلى جوار حانة أو مطعم قرر الانحياز لطرف معين، اختناق كبير للحانات وقوانين تمنع التدخين في الأماكن المغلقة تجبر كل الزائرين على الوقوف في شوارع الحي، ملاك الحانات قرروا بيع مشروباتهم عبر عربات متنقلة بدلاً من تقديمها داخل المحال، ورجال الشرطة يكتفون بتطويق المكان من دون أن يتدخلوا في الحشود. صيحات بريطانية تحمل كماً وافراً من الشتائم الموجهة تحديداً إلى نجم منتخب الأوروغواي ومهاجم نادي ليفربول الإنكليزي لويس سواريز تنطلق بين الفينة والأخرى، تردّ عليها جماهير الأوروغواي بأنشودة أخرى تسيء للمنتخب الإنكليزي بطريقة ما، لكن أحداً لا يحوّل تلك الشتائم إلى خلاف حاد. صورة لا تتكرر كثيراً تحضر في «فيلا مادلينا»، مالك أحد المطاعم علّق على واجهة محله علماً ضخماً لإنكلترا، فيما يقول عن التجربة: «أنا برازيلي ولا يعنيني في هذا المونديال سوى منتخب بلادي، لكنني لا أمانع بالتحيز إلى طرف، خصوصاً وأن الزوار الإنكليز ملأوا المطعم عن آخره، فوجود علمهم على البوابة لا يعني شيئاً، فأياً من جماهير الأوروغواي لن يكون راغباً في الحضور هنا».