نقلت إسرائيل المفاوضات السياسية غير المباشرة مع الفصائل الفلسطينية في شأن التهدئة من القاهرة إلى مفاوضات عسكرية على أرض الميدان في قطاع غزة. وبعدما فشلت الوساطة المصرية في وضع حد للعدوان الجوي والبحري الإسرائيلي المتواصل على القطاع منذ الثامن من الشهر الجاري، شرعت قوات الاحتلال في عملية عسكرية برية واسعة النطاق. وتسعى إسرائيل من وراء شن الهجوم البري المدعوم جوياً وبحرياً، إلى الضغط على فصائل المقاومة الفلسطينية، خصوصاً كبراها حركة «حماس»، وإرغامها على الموافقة على المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار من دون شروط. وفيما سقط أكثر من 30 شهيداً منذ بدء العدوان البري فجر أمس، لا يزال الرئيس محمود عباس يجول عواصم عدة من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف النار، ما لاقى انتقادات شديدة من معظم الفلسطينيين في القطاع الذين اتهمه بعضهم ب»التواطؤ» لصالح حسابات ومناكفات سياسية مع «حماس». «حماس»: نتانياهو سيدفع الثمن وفور بدء العدوان البري، تعهدت الحركة بأن يدفع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو الثمن. وقالت إن «العدوان البري على قطاع غزة لا يخيفنا»، مضيفة أن نتانياهو «يقتل أطفالنا وسيدفع الثمن». ووصف الناطق باسم الحركة فوزي برهوم الهجوم بأنه «خطوة خطيرة وغير محسوبة العواقب، وسيدفع ثمنها الاحتلال غالياً». وأكد في تصريح أن «حماس جاهزة لمواجهة هذه العملية البرية... التي تأتي من أجل ترميم حكومة الاحتلال لمعنويات جنودها وقيادتها العسكرية المنهارة نتيجة ضربات المقاومة النوعية والمتواصلة». من جانبها، أعلنت «سرايا القدس»، الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي» في بيان أمس «مواصلة معركة البنيان المرصوص حتى الاستجابة والرضوخ لمطالب المقاومة». وتعهدت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» بأن يدفع الاحتلال ثمن العدوان. وقال عضو مكتبها السياسي ماهر الطاهر في تصريح أمس إن «كتائب أبو علي مصطفى»، الذراع العسكرية ل»الشعبية»، وكل الكتائب المسلحة «على أهبة الاستعداد للتصدي والمواجهة وتلقين العدو درساً لن ينساه». ووصفت «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين» العدوان البري بأنه «تصعيد خطير في العدوان البربري الهمجي». وطالبت في بيان «بتشكيل غرفة عمليات مركزية مشتركة لفصائل المقاومة، ووحدة الخطاب السياسي الفلسطيني لإفشال أهداف هذا العدوان... وتشكيل وفد تفاوضي فلسطيني موحد، بما يضمن وحدة الموقف الفلسطيني من المبادرة المصرية والتهدئة من خلال معادلة جديدة تقوم على تهدئة على الجانبين وفك الحصار». آلاف النازحين ومع بدء العدوان البري، نزح آلاف «الغزيين» عن منازلهم شمال القطاع وشرقه وجنوبه. وأعلن المستشار الإعلامي ل»أونروا» عدنان أبو حسنة أمس أن «عدد الفلسطينيين الذين لجأوا إلى مدارس الوكالة وصل إلى 30 ألفاً في 34 مدرسة في مناطق القطاع». وأشار إلى أن «أونروا» وجهت نداءً عاجلاً إلى المجتمع الدولي تطالبه فيه «بدفع 60 مليون دولار بصورة عاجلة لإغاثة غزة». ميدانياً، تدور منذ فجر أمس اشتباكات مسلحة عنيفة جداً بين مقاومين من الأجنحة العسكرية المختلفة، وفي طليعتهم رجال «كتائب القسام» و»سرايا القدس»، وبين قوات الاحتلال المتوغلة في المناطق الشمالية والشرقية والجنوبية الشرقية من القطاع. وتصدى المقاومون للدبابات والجرافات التي تقدمت تحت غطاء جوي ومدفعي كثيف في بيت لاهيا وبيت حانون وشرق غزة وخان يونس ورفح. لكن سرعان ما انسحبت قوات الاحتلال من بلدة بيت لاهيا بعد اشتباكات عنيفة، فيما واصلت الفصائل إطلاق الصواريخ على معظم المدن الإسرائيلية الكبرى، بدءاً من ديمونا وبئر السبع جنوباً وحتى حيفا شمالاً، مروراً بمدن الوسط، ومن بينها تل أبيب واسدود وغاني افنيه وغيرها، وكذلك المستوطنات المحيطة بالقطاع. وسقط نحو 30 شهيداً أمس، ما رفع عدد الشهداء إلى نحو 270، والجرحى إلى أكثر من 1700، فيما ارتفع عدد المنازل المدمرة كلياً إلى 404، وجزئياً إلى أكثر من 1900. ومن بين الشهداء، ثلاثة أطفال في قصف مدفعي استهدف أبراج الندى في بيت حانون. وأوضحت مصادر طبية أن قذيفة سقطت داخل غرفة نوم الأشقاء أحمد إسماعيل أبو مسلم (14 سنة)، وولاء (13 سنة)، ومحمد (15 سنة)، ما أدى إلى مقتلهم فوراً. وفي تجدد القصف على محيط أبراج الندى، استشهد مواطن وأصيب 3 آخرون تم نقلهم إلى المستشفى. من جهته، اتهم سفير المفوضية الدولية لحقوق الإنسان في الشرق الأوسط، الأمين العام لمنظمة حقوق الإنسان الدولية في الأممالمتحدة هيثم أبو سعيد إسرائيل بأنها استعملت أثناء العدوان البري «الغاز الأبيض الذي ألحق أذى بالغاً بعشرات المدنيين».