عاد الصراع القديم بين العلمانية والأصولية اليهودية (الحرديم) في إسرائيل إلى الواجهة بقوة أمس مع دعوة رئيس بلدية تل أبيب رون حولدائي (علماني) إلى إعلان التمرد على «الحرديم» ووقف التمويل الحكومي لمدارسهم الدينية الخاصة، «التي تثقف جيلاً من الجهَلة الذين يعتاشون على حساب خزينة الدولة». وسارعت وسائل إعلام عبرية إلى إبراز الإحصائيات الرسمية التي تفيد بانه في العام 2040 سيشكل «الحرديم» والعرب في إسرائيل 78 في المئة من نسبة الطلبة في المدارس الابتدائية. (نسبة التكاثر الطبيعي في أوساط الحرديم والعرب تشارف 5 في المئة في مقابل 1.6 في المئة في أوساط اليهود العلمانيين). وتعني هذه الأرقام ارتفاع نسبة الشبان غير الملزمين الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، إذ ستصل نسبة «الحرديم» بعد عشرة أعوام إلى 24 في المئة. ما يعني أن هذه النسبة من الشبان اليهود لن تلتحق بالجيش (بداعي أن توراتهم هي عقيدتهم) إضافة إلى نسبة مماثلة من العرب، فضلاً عن تهرب نسبة لا بأس بها من العلمانيين من الخدمة العسكرية الإلزامية لكل من بلغ 18 عاماً من العمر. وتحظى المؤسسات الدينية للحرديم بموازنات هائلة من الحكومة لقاء مشاركة الأحزاب التي تمثلهم (شاس ويهدوت هتوراة) فيها. وترى أحزاب علمانية أن الموازنات الكبيرة التي تصرف تشكل عبئا اقتصاديا جديا على خزينة الدولة، فضلاً عن أن غالبية الشبان لا تذهب إلى سوق العمل ولا تساهم في الناتج القومي العام. وقال خولدائي، في تصريحات وصفت بالجريئة حيال ممالأة أركان الحكومات المتعاقبة جمهور «الحرديم» في مؤتمر للتعليم عقد في تل أبيب اول من امس، إنه لا يمكن الصمت أكثر حيال استقلال الجهاز التعليمي في أوساط الحرديم، «ويجب أن تأتي الصحوة... أن يحصل تمرد لدى الغالبية المدنية الصامتة». ولاحظ ان دولة إسرائيل «تمول وترعى قطاعات كاملة من الانفصاليين بل الجَهَلة الذين يزداد عددهم بوتيرة مذهلة، وتعرّض مناعتنا الاجتماعية والاقتصادية إلى الخطر». وأضاف أن ثمة حاجة ملحة لتوجيه إنذار للجمهور الإسرائيلي: «في السنوات الأخيرة شهد مجال التعليم أشياء سلبية وخطيرة من الواجب محاربتها. شرّعت قوانين غريبة مسّت بالتعليم الرسمي... إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي يتم فيها تمويل التعليم الخاص من جيوب الجمهور العام من دون أن يأخذ التعليم الخاص على عاتقه مسؤوليات تعليمية ضرورية لمستقبل المجتمع». واوضح انه «في التعليم الخاص في إسرائيل يعلّم كل قطاع على هواه ويرفض تعليم ما تريده الدولة... في وسع الإسلاميين المتطرفين التثقيف ضد دولة إسرائيل فيما الدولة تمول مؤسساتهم التعليمية... والحرديم يعلمون ما يختارونه وليسوا مستعدين لتعليم الأولاد المواضيع الجوهرية التي يتم تعليمها في الدول المتطورة كي لا يصبح الشاب عند بلوغه عبئاً على الخزينة العامة... الحرديم يرفضون تعليم أبنائهم مواضيع مثل الرياضيات واللغة الانكليزية ويدرسونهم الدين فقط». وأضاف محذراً أن «قسط القطاع المنتج في الدولة آخذ في التضاؤل في حين ان القطاع الآخر يكبر وينمو بتمويل عام. لا يمكن الإبقاء على هذا الوضع. لا يمكن أن يواصل القطاع الواحد أن يحمل على ظهره الطرف الآخر كل الوقت، يجب أن تحصل صحوة وربما تمرد يعيد للديموقراطية الإسرائيلية حقها وقدرتها على التدخل وأن تحدد بنفسها القضايا الجوهرية وفي مقدمها قضية التعليم». وردّ قادة الحرديم على هذه التصريحات باتهام رئيس بلدية تل أبيب ب»العنصرية والتحريض المنفلت المغلّف بآراء مسبقة تبتها حركات سياسية إسرائيلية تم قذفها لاحقاً إلى مزبلة التاريخ». واتهم نواب وصحف متطرفة حولدائي ب»التحريض على الكراهية العنصرية» ضد الديانة اليهودية. واعتبر رئيس حزب شاس الديني المتطرف ووزير الداخلية ايلي يشائي، تصريحات رئيس بلدية تل ابيب «غير مقبولة»، مضيفا في مقابلة مع الاذاعة العامة انها «تنبع من كره للتوراة».