«الطهار» في الثقافة التونسية التقليدية هو من يقوم بعملية ختان الأولاد. وحتى بعد تطور العلم ودخول الأطباء الجراحين مجال الختان بقيت التسمية كما هي. وقبل وصول الداعية المصري وجدي غنيم إلى تونس انتشر بكثافة على صفحات التواصل الاجتماعي شعار «ديقاج يا طهّار البنات» في رسالة واضحة المعالم مفادها أن التونسيين يرفضون زيارة من يُروَّج لفكرة ختان البنات، ورافق هذا الشعار وغيره نشر عدد من الصور التي تمثّل الختان في بعض الدول كدليل على قساوة العملية جسدياً ونفسيّاً على الفتاة. زيارة غنيم لم تكن عادية، فقد أثارت جدالاً واسعاً قبل مجيء الشيخ وأثناء وجوده وحتى بعد رحيله عن تونس. ولم يكن الجدال الذي أثير في شكل لافت بسيطاً، بل مثّل حضوره وتقديمه عدداً من المحاضرات والدروس في عدد من المدن التونسية مشكلات بالجملة بين التونسيين، فانقسم أبناء البلد الواحد بين مؤيد لقدوم الشيخ ومستهجن لهذه الزيارة. ورافقت زيارة الداعية المصري موجة من الاحتجاجات على شبكة التواصل الاجتماعي فايسبوك، وقد استند الرافضون والمحتجون على رأي لغنيم يؤيد فيه ختان البنات بل ويرى فيه «مكرمة لها» و «تجميلاً». وهو ما يعتبر دخيلاً على المجتمع التونسي. تحذير في المقابل يدافع كثير من التونسيين، وبخاصة المنتمين إلى جماعات سلفية وجهادية، عن قدوم أحد شيوخهم الذي يمثّل لهم الكثير في ما يتعلق بالتحريض على فرض الشريعة الإسلامية كدستور ونظام حياة. وكانت لهم صولات وجولات على فايسبوك للترحيب بشيخهم ودعم حضوره في تونس التي يرون أنها في حاجة ل «تقويم» بعد أن «عاث فيها العلمانيون فساداً وكفراً» كما يرون ويروّجون. وعمد المجتمع المدني إلى التحذير من الخطب التي ألقاها داعية ختان الفتيات، واصفاً إياها بالمحرضة على العنف وعلى انقسام الشعب التونسي في هذه الفترة الدقيقة التي تمر بها تونس. وتفاعل المجتمع المدني في تونس مع الموضوع فأصدر عدد من الجمعيات والنقابات والمنظمات بيانات تندد فيها بزيارة الداعية المصري وتطالب الحكومة بطرده أو عدم قبوله، وطالبت الحكومة بتقنين زيارات الدعاة والمشايخ لتونس. من ذلك أنّ بعض المحامين وفي مقدمهم بشرى بلحاج حميدة وكريم قطيب رفعا دعوى قضائية ضد وجدي غنيم بتهمة التحريض على العنف والدعوة إلى رفع راية الجهاد المسلح والتهكم على النشيد الرسمي للبلاد، كما كان لوزارة الصحة التونسية موقف من الموضوع، فحذّرت من مخاطر ختان الإناث، وذلك على خلفية الجدل الذي أثارته تصريحات ومواقف الداعية المصري حول ختان الإناث. وأكدت الوزارة في بيانها أن «عمليات بتر الأعضاء التناسلية للإناث (الختان) هي ممارسات مدانة، ولا تمت بصلة إلى ثقافة تونس وعاداتها»، معتبرة أن هذه الممارسة «ليس لها إيجابيات على الصحة، خلافاً لعمليات ختان الذكور التي لها فوائد صحية ثابتة»، ذلك أن بتر أنسجة الأعضاء التناسلية العادية والسليمة للأنثى يعوق الوظائف الطبيعية للجسم، ويتسبب في مضاعفات فورية أو دائمة على صحة النساء. زيارة مرفوضة وكان مفتي تونس عثمان بطيخ تحدث عن زيارة غنيم معتبراً أن الضجة التي رافقت قدومه لا تعدو أن تكون مجرد «انبهار بأناس انتسبوا إلى المنهج الدعوي نظراً إلى فصاحتهم اللغوية في إطار الغياب الكلي لأبسط مقومات العلم الصحيح»، وأكّد أن كلامه موجّه إلى الدعاة الذين يقومون تونس على أساس أنها بلد كافر في حين أن إسلامها متجذّر، وإلى التونسي المنبهر بشخص يدعي المعرفة. وندّد بطيخ بالتقسيم المذهبي والعقائدي الذي أصبحت تشهده تونس ما بعد الثورة، داعياً إلى تجنب استضافة الدعاة المتشددين تجنباً لإثارة الفتنة في المجتمع التونسي. وحتّى الرئيس الموقت محمد المنصف المرزوقي لم يتوانَ عن إبداء رأيه في زيارة غنيم، ووصفه في برنامج تلفزيوني ب «الشاذ» مشدداً على أن «تربة تونس لا مكان فيها للجراثيم». وشهدت خطب الداعية المصري حضوراً كبيراً من السلفيين وبخاصة مَن ينتمون إلى تيارات دينية بعضها متشدد. يُذكر أنّ أكثر من 10 هيئات دولية منها منظمة الصحة العالمية، واليونيسكو، و «يونيسيف»، وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي، ومفوضية شؤون اللاجئين كانت تبنّت عام 2008 موقفاً مشتركاً يدين «التدخلات التي تؤدي إلى البتر الجزئي أو الكلي للأعضاء التناسلية الخارجية للمرأة أو غيرها من الأعضاء التناسلية الأنثوية لغايات غير علاجية».