اتفقت الأحزاب الألمانية الممثلة في البرلمان الفيديرالي، باستثناء حزب اليسار الذي استبعدته المستشارة أنغلا مركل عن المشاورات، على ترشيح الناشط الحقوقي الألماني الشرقي القس الإنجيلي السابق يواخيم غاوك (72 سنة) لرئاسة البلاد خلفاً للرئيس المستقيل كريستيان فولف. لكن قبول مركل وحزبها خيار غاوك حصل «على مضض» بعد خروج حليفها الصغير الحزب الديموقراطي الحر الليبرالي عن خطها، وتأييده غاوك الذي رشحه الحزبان الاشتراكي والخضر. ويعني هذا الخيار أن تاريخ البلاد سيسجل واقعة تقلد ألمانيان شرقيان معاً أعلى مرتبتين في الدولة الألمانية الموحدة، وهو ما لمحت إليه مركل ضمناً، والتي بذلت أقصى جهدها للمرة الثالثة على التوالي لإيصال رئيس اقترحته نفسها، رافضة دعوة الآخرين إلى التفتيش عن مرشح من خارج الأحزاب السياسية. وكاد التحالف الحكومي المسيحي الليبرالي أن يسقط أول من أمس، لكن القيادة المسيحية ادركت عجزها هذه المرة عن تأمين أكثرية أصوات الهيئة الناخبة المؤلفة من 1324 صوتاً للمرشح الذي ستقترحه. ولو لم تتراجع مركل ولم تؤيد غاوك لكانت واجهت معركة مع أحزاب المعارضة وداخل ائتلافها، ما كان سيؤدي إلى تشتيت كبير وسط أزمة ديون منطقة اليورو. وبدا الوجوم على وجه المستشارة، وتلعثم كلامها خلال إعلان الاتفاق في مقر المستشارية بحضور غاوك وقادة الأحزاب الخمسة. لكنها استدركت في كلمتها الترحيبية: «صحيح أننا نختلف مع غاوك في أمور، لكننا نتقاسم ماضياً مشتركاً». وأجمع المراقبون على أن مركل أصيبت بهزيمة سياسية واضحة على يد الليبراليين الذين خذلوها، ويأملون الآن في أن يؤدي ظهورهم بمظهر المستقل عن المسيحيين إلى إخراجهم من حال انعدام الوزن، علماً أن استطلاعات الرأي تشير إلى أنهم لن يتمثلوا في البرلمان الفيديرالي المقبل. وكشفت صحيفة «بيلد» الشعبية أن مركل أجرت مفاوضات خيم عليها التوتر مع فيليب روزلر، زعيم الحزب الديموقراطي الحر، في شأن اختيار مرشح الرئاسة، وأنها حذرته من أنه يعرض الائتلاف للخطر، ونقلت عنها قولها «هل هذا ما تريده حقاً»؟. وتابعت إن «روزلر رفض مرات تغيير موقفه. وبعد ساعة استسلم حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي بزعامة مركل وشريكه في الائتلاف حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي. ولاحقاً، تحدث مايكل كريتشمر عضو البرلمان عن الحزب الديموقراطي المسيحي عن «خيانة للثقة» من جانب الحزب الديموقراطي الحر «سيؤدي إلى عواقب وخيمة على التعاون في المستقبل». أما وزير المال ماركس زودر فاتهم الحزب الديموقراطي الحر ب «الابتزاز». وكان الرئيس السابق فولف قدّم استقالته الخميس الماضي بعدما استمر سنة ونصف السنة فقط في منصبه، وتحت ضغط مطالبة النيابة العامة الفيديرالية البرلمان، إثر حملة اتهامات استمرت أكثر من شهرين، برفع الحصانة القضائية عنه للتحقيق معه في تهمة استغلال منصبه كرئيس لحكومة لولاية سكسونيا المنخفضة من أجل تحقيق مصالح شخصية ونفعية. وكان غاوك الذي لا ينتسب إلى أي حزب سياسي نافس فولف سابقاً على منصب الرئيس، بعدما نال تأييد الحزب الاشتراكي الديموقراطي وحزب الخضر، فيما أيد التحالف المسيحي الليبرالي الحاكم مرشحه فولف على رغم اعتراض نواب كثيرين في التحالف ذاته عليه. وانعكس ذلك بوضوح على نتائج التصويت حينها، إذ لم يفز مرشح مركل بمنصبه إلا في الجولة الثالثة، فيما لم يصوت نواب حزب اليسار لمصلحة غاوك بحجة أنه عادى الحزب بعد الوحدة الألمانية وعمل ضده لدى ترؤسه مكتب كشف عن وثائق جهاز الاستخبارات الألمانية الشرقية «شتازي» وعملائه في ألمانيا. وأظهر استطلاع للرأي أجرته قناة «إر دي» التلفزيونية أن نصف الألمان يؤيدون انتخاب غاوك رئيساً، بينما حصلت أسماء أخرى على معدلات أقل. ويتمتع القس الإنجيلي بشخصية محببة وقوية وبرأي موزون مقنع وعلاقة مباشرة مع الناس جعلته شخصاً قادراً على جمع كل الفئات حوله. وبدأت شهرته خلال الحكم الشيوعي في ألمانيا الديموقراطية حين تعرض لمضايقات من الحكم وجهاز «شتازي» بسبب دفاعه عن الحرية والديموقراطية ومضطهدين.