هونغ كونغ - أ ف ب - تشهد آخر دار للأوبرا ناطقة باللهجة الكانتونية في هونغ كونغ أيامها الأخيرة، على أن يحل مكانها مركز تجاري. هي «مأساة» تصيب محبي هذا الفن القديم الذي يعتبر تراثاً غير مادي للبشرية والذي لن تكرس له دار قبل سنوات. منذ افتتاحه عام 1972، كان مسرح «سانبيم ثياتر» (مسرح شعاع الشمس) يغص بالجمهور في كل عرض من العروض التي قدمها. وكان يجسد دوام التقاليد الصينية في هذه المستعمرة البريطانية السابقة التي تحولت مركزاً مالياً عالمياً. لكن بعد سنوات من الصمود في وجه المضاربة العقارية، تسدل الستارة للمرة الأخيرة الأحد لتنطلق أعمال الهدم. وأسف الممثل والمخرج المسرحي الشهير يوين سيو فاي، واصفاً الأمر ب «مأساة للأوبرا الكانتونية». وندد قائلاً: «نحن نخسر كنزاً ثقافياً. مسرحنا الرئيسي. إلى أين نذهب؟ هذا مثال جديد عن عجزنا على الحفاظ على مبانينا التاريخية». والأوبرا الكانتونية المعروفة باسم «يويجو» تؤدى منذ ثلاثة قرون في جنوب الصين في كل من مدينة غوانغزهو (بر الصين الرئيسي) وهونغ كونغ وماكاو حيث تعتمد اللهجة الكانتونية. ويتألف هذا النوع الفني من أشكال موسيقية وأنواع أوبرا عديدة، يؤديه ممثلون متبرجون في شكل كبير، وارتدوا أزياء متكلفة على إيقاع الآلات الوترية التقليدية الخمس في الصين، بالإضافة إلى الصنج والدف اللذين يميزان الأوبرا الكانتونية. وتتخلل هذا النوع من العروض المستوحاة من القصص الملحمية ومن تاريخ الإمبراطورية الصينية ومن الحياة اليومية في بلد يحلم مواطنوه بخلوده، فنون قتالية. وكانت أوبرا «يويجو» أدرجت عام 2009 على قائمة التراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونسكو»، شأنها في ذلك شأن مسرح خيال الظل الصيني (2011) وأوبرا بكين (2010) وفن الخط الصيني (2009). واليوم أصبح مسرح «سانبيم ثياتر» ملكاً لرجل الأعمال الثري فرانسيس لوو الذي اشتراه عام 2003 عبر شركة الاستثمار «تويو مول» التي يملكها، بهدف تحويله إلى مركز تجاري ضخم في مدينة تكثر فيها المراكز المماثلة. وكانت إدارة المسرح نجحت في ما مضى في إبعاد محاولات الهدم مرات عدة، لكنها وقفت عاجزة أمام ارتفاع كبير في قيمة الإيجار الذي تضاعف مرتين عام 2009 ليصل إلى 700 ألف دولار هونغ كونغ (68 ألف يورو) شهرياً. لكن أحد الناطقين باسم «تويو مول» أكد أنه لم يتم حتى الآن اتخاذ قرار نهائي في شأن مآل الدار، نافياً المعلومات عن تشييد مركز تجاري محله. أما إدارة المسرح فرفضت الإدلاء بأي تصريح، معتبرة أن الإغلاق هو «قرار تجاري بحت». وقال فاي: «ينبغي تغليب القيمة التراثية والتاريخية على القيمة التجارية»، لافتاً إلى أن «أسعار الإيجار خيالية في نيويورك ولندن أيضاً. لكن المسارح كثيرة في هاتين المدينتين». ونفدت تذاكر العروض الأخيرة في «سانبيم ثياتر» في سرعة فائقة، في دليل على شعبية الأوبرا الكانتونية. ويروي العرض الأخير قصة قاض نزيه يدافع عن العدالة. وبعد إغلاق الدار ستؤدي الفرق عروضها في صالات في هونغ كونغ تستخدم لأغراض عدة، في انتظار افتتاح مركز ثقافي كبير عام 2016 يضم دار أوبرا تتسع ل 1100 شخص.