الأخبار الأخيرة من مصر تحدثت عن مسلسلات تصوّر في 15 حلقة بدلاً من تلك المعتادة التي لا تقلُ عن ثلاثين، بل تتجاوزها أحياناً. هي فرصة لنا لنتأمل ونتخيل ما يمكن أن تختصره تلك الأعمال من إطالات لا لزوم لها، ومشاهد لا يؤثر غيابها على الدراما، ثم أيضاً لرؤية أعمال أكثر فنية وتماسكاً، بالتالي أكثر إقناعاً بل وتشويقاً. هي مرة أخرى عودة إلى سؤال تقليدي عن العلاقة التي لا تنفصم بين الشكل والمضمون إلى الحد الذي جعل كثراً من النقاد يطلقون مقولة أن الشكل هو أيضاً مضمون والعكس صحيح. كان المسلسل التلفزيوني ذات عصر يتألف من 13 حلقة انسجاماً مع «الدورة التلفزيونية» وكان يومها يعرض للمشاهدين أسبوعياً، ثم قفز إلى رقم الثلاثين مع انتشار البث وحاجته إلى «يومية» بث الأعمال الدرامية حتى التصق بليالي رمضان فراوح بين الثلاثين وفق أيام الشهر، وبين أعمال «مدّدت» حضورها ليشمل أيام العيد التي تعقب شهر الصوم. في الدراما التلفزيونية العربية نحتاج اليوم إلى هذا التكثيف المصري لأسباب لا تتعلق بالشكل الفني مباشرة، ولكن أيضاً لخفض تكاليف الإنتاج، وإتاحة الفرصة لإنتاج المزيد من الأعمال. صحيح أن الفضائيات ستبث في هذه الحالة وكأن رمضان قد أصبح من جزءين، أي ينتهي أول مسلسلاتها في منتصفه ليخلي مكانه لمسلسل آخر، لكن ذلك سيكون في مصلحة المشاهد أولاً، ثم في مصلحة الدراما، التي نظنُ أنها ستستعيد معه كثيراً من ألقها ورشاقتها وبهاء حضورها، على نحو يجعلها تستعيد فكرة الاهتمام أكثر بالورق، وأعني هنا بفن كتابة السيناريو ذاته. في اختصار، حلقات المسلسل إلى النصف، تدفع كتاب السيناريو إلى امتحان الجدارة الفنية أكثر، وسنكتشف جميعاً أن بنائية الأعمال ستكون أجمل وأكثر إمتاعاً. ليس كفن الدراما التلفزيونية فناً يحتشد بالعادات والتقاليد، بل إن عاداته تبدو لنا في كثير من الأحيان صارمة وغير قابلة للتغيُر بسهولة، ولهذا نرحب بالشكل الجديد، بل لا نبالغ إذ نقول انه سيكون تحوُلاً عميقاً يتجاوز حتى غايات وأهداف من فكروا به وأخذوا قراراتهم بتبنيه وتحويله إلى واقع إنتاجي.