نزعت الاعتصامات والإضرابات المطلبية والعمالية التي نفذها شبان عاطلون من العمل ومعلمون وتجار في الأردن أخيراً، الدسم السياسي من الحراك الشعبي والشبابي المطالب بالإصلاح، بخاصة بعد أن طرح القائمون على هذا الحراك في مسيراته التي تنظم كل يوم جمعة منذ اكثر من عام، شعاراته السياسية جانباً، وتبنوا شعارات مطلبية وعمالية لم يكن ينادى بها من قبل. وكانت ابرز الشعارات التي هتف بها الحراك في العاصمة عمان والمحافظات تؤيد وتدعم اعتصامات المعلمين المستمرة منذ أسبوعين، والمطالبة بعلاوة تعليم كاملة بعد أن تم اجتزاء 30 في المئة منها وفقاً لبرنامج هيكلة رواتب موظفي الدولة السيء الصيت، والذي أثار أخيراً موجة احتجاجات عارمة أرهقت الدولة وأجهزتها. وكان حراك الشبان العاطلين من العمل، متركزاً في محافظتي معان والطفيلة الجنوبيتين اللتين تخلوان في شكل شبه تام من أي نشاط اقتصادي، ما يضطر معظم سكانهما إلى العمل في الوظائف العامة والجيش. وحازت مناهضة قانون المالكين والمستأجرين الجديد على قسط وافر من شعارات الحراك، بخاصة أن القانون الجديد الذي أقره مجلس النواب، بات يهدد مصائر الكثير من العائلات التي تعتاش على أعمال تجارية بسيطة، إذ قد يودي بها إلى الشارع، بعد أن أعطى القانون للمالك حق رفع قيمة الإيجار في شكل سنوي ومرتفع نسبياً مقارنة بالنشاط الاقتصادي المتردي في الأردن، بخاصة مع تغلغل إفرازات الأزمة العالمية في كل القطاعات الاقتصادية. وكان الأردن شهد تصاعداً في الاحتجاجات من حيث العدد ومن حيث القطاعات، وشكلت هذه الاحتجاجات قفزة نوعية فرضت على الدولة الأردنية التعاطي وجهاً لوجه مع القطاعات الشعبية والعمالية بعد أن اعتادت سابقاً على مواجهة الاحتجاجات السياسية. وشهدت المملكة عام 2011 تزايداً غير مسبوق في عدد الاحتجاجات العمالية، إذ بلغ عددها 829 مقابل 140 احتجاجاً عمالياً عام 2010. وتأتي هذع الاحتجاجات كتعبير صارخ عن وجود أزمة اقتصادية واجتماعية يعيشها الأردن بالتزامن مع وجود مجموعة من العوامل التي دفعت أعداداً كبيرة من العاملين للاحتجاج على ظروف عملهم الصعبة. ويعتبر الربيع العربي الذي انطلق من تونس في نهاية عام 2010 من اهم العوامل التي دفعت العمال في الأردن للخروج إلى الشارع، رفضاً لواقع عمل سيء عانوا منه لعقود. وخلال العامين 2010 و2011 استنزفت سلسلة احتجاجات المعلمين للمطالبة بنقابة لهم، الحكومات وأجهزة الأمن، وأجبرت الدولة على توجيه كامل اهتمامها إليها، وفي النهاية تحقق مطلب المعلمين بنقابة، تماماً كما حققت معظم الاعتصامات المطلبية أغراضها. وكانت الفعاليات المطالبة بالإصلاح في الأردن بدأت بالظهور في نهاية العام 2010، إذ تنبهت الفئات المختلفة إلى المطالبة بحقوق صمتت عنها طويلاً، وتشجعت بتراث الاحتجاج خلال السنوات الخمس الماضية، التي شهدت سلسلة اعتصامات لعمال الأجر اليومي في المؤسسات الحكومية على مدى أعوام، واعتصاماً ضخماً لعمال الموانئ عام 2009، ثم سلسلة اعتصامات المعلمين التي شلت معظم مدارس البلاد. ويرى الناشط النقابي العمالي محمود أمين الحياري أن الاحتجاجات النقابية والمطلبية هي نتيجة متوقعة لحركة الاحتجاجات السياسية. ويؤكد قيام قطاعات جديدة مثل العاملين في تصليح الأحذية بتنظيم اعتصامات تداخلت مع المسيرات المطالبة بالإصلاح. ويضيف الحياري أن الإنجاز الأكبر للحراك السياسي هو كسر محرمات من بينها حق التنظيم النقابي للعاملين في القطاع العام، إذ تشجعت قطاعات من هؤلاء بإنجازات العاملين في القطاع الخاص وبدأت تنظيم احتجاجات للدفاع عن مصالحها. وشهدت البلاد خلال حزيران (يونيو) وتموز (يوليو) الماضيين سلسلة احتجاجات قوية لموظفي ما يدعى بالمؤسسات الحكومية المستقلة وذلك رفضاً لإعادة الهيكلة، التي رأوا أنها ستمس رواتبهم وامتيازاتهم الوظيفية. وشلت تلك الاعتصامات مرافق رئيسة من بينها البورصة والبنك المركزي وهيئة تنظيم قطاع الاتصالات. وكانت حكومة رئيس الوزراء السابق معروف البخيت أقرت مشروعاً لإعادة هيكلة رواتب القطاع العام، قالت انه سيحقق العدالة في الرواتب بين جميع الموظفين وينهي الخلل الحاصل فيها، غير أن هذه الهيكلة وبعد بدء تطبيقها مع بداية العام الحالي أثارت ردود فعل غاضبة من قبل بعض الموظفين الذين لمسوا انخفاضاً في رواتبهم نتيجة لها. ويرى الكاتب الصحافي أحمد أبو خليل المتابع للحراك العمالي، أن ظاهرة الاحتجاجات العمالية جديدة، ويرجعها إلى تراجع دور الدولة وانسحابها من هذا القطاع، إضافة إلى سيطرة الشركات والحكومات على النقابات الموجودة، ما دفع بالعمال إلى تنظيم أنفسهم والتحرك دون الرجوع للنقابات. ويعتقد أبو خليل أن الإنجاز الأكبر للاحتجاجات السياسية هو أن المواطنين بدأوا يرون النجاحات التي يحققها العمل الجماعي، وأنهم لم يعودوا محتاجين إلى أساليب الاسترضاء والحلول الفردية التي كانوا يلجأون إليها سابقاً. ويضيف أن اعتصامات عمال الأجر اليومي وعمال الموانئ والمعلمين جاءت في أوساط لم تعتد على ثقافة الاحتجاج، ولم يكن الاعتصام جزءاً من ثقافتها. ولهذا يرى أن الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح ساهم في المدى البعيد في تجهيز الأرضية للحراكات المطلبية والعمالية.