تتعرض مدينة ماضي الأثرية ومنطقتا قليون وجعران بمحافظة الفيوم المصرية إلى عمليات تنقيب غير مشروعة، فضلاً عن التعدي على الآثار بالبناء والزراعة. وتنتشر في المنطقة عصابات منظمة تقوم بالحفر لسرقة آثار كلفت الدولة ملايين الجنيهات لاكتشافها، ويقصدها السياح من كل دول العالم. وجاء ذلك في سياق فترة الانفلات الأمني التي أعقبت ثورة 25 يناير عام 2011. وفي جولة ل«الحياة» بصحبة بعض الأهالي، أمكن رصد حفارات تعمل جهاراً للتنقيب عن الآثار. وتطاول أعمال الحفر مقابر يرجع تاريخها إلى آلاف السنين. ويصار إلى تخريب القبور وتكسير العظام والجماجم للبحث عن مادة وهمية يطلق عليها اسم «الزئبق الأحمر»، ويقال إن من خصائصها تطويع الجن وتسخيرهم في البحث عن الكنوز أو سحب الأموال من خزائن المصارف، أو حتى إنها تدخل في صنع أسلحة غير مألوفة. وكان من آثار التنقيب تحول مدينة جعران الأثرية التي كانت مزاراً للسياح، أكواماً من الرمال. ويشارك في أعمال الحفر العشوائية بعض الأهالي وعصابات يعملون ليلاً ونهاراً في غفلة تامة من الأجهزة الرقابية. ويقول البعض هنا إنه لولا تصدي عدد من الأهالي ممن يملكون أراضي في المنطقة لتلك العصابات، لنهبت الآثار الموجودة هناك بالكامل. وتلاحظ أعمال الحفر في مدن ماضي وجعران وقليون الأثرية. ويؤكد بعض الأهالي أن هذه الأخيرة اختفت تماماً واستخدم بعضهم الأرض للزراعة في غفلة من الأجهزة المعنية. والغريب أن من يقومون بالحفر لا يخشون أحداً كما يبدو، إذ إننا جُلنا في المنطقة طوال النهار، ولم يلحظ أياً ممن يحفرون وجودنا، وخصوصاً قيامنا بالتصوير. ويؤكد أحمد حسين وجمعة إبراهيم وهما من أهالي المنطقة، أن العصابات التي تنهب الآثار تتسلل إلى المواقع الأثرية إما في غفلة من حراسة المنطقة التي يصفانها بالضعيفة، أو في غالب الأحيان بالاتفاق مع بعض الحراس من ضعاف النفوس. ويشرحان أن المعتدين «يخلفون وراءهم تدميرا للطبقات الأثرية نتيجة لأسلوب الحفر غير العلمي وبالتالي يتم افتقاد كثير من المعلومات التاريخية المهمة في المنطقة». وفي منطقة ماضي الشرقية أقام بعض السكان منازل فوق الآثار في مخالفة صريحة للقانون ومن دون أن يحرك أحد ساكناً، وهي تستخدم غطاءً للحفر بهدف استخراج الآثار ومن ثم بيعها بأبخس الأثمان. ويناشد الأهالي الأجهزة المعنية التدخل بصورة عاجلة نظراً لتوسع التعديات في اتجاه مقبرة تقع غرب معبد مدينة ماضي الأثرية. ويؤكد المواطن فايز عبد الشفيع، الذي يمتلك قطعة أرض بالقرب من هذه المدينة، أنه يرى التعديات التي تطاولها، «ما يعرضها لخطر أكيد، خصوصاً أن الحراسة هناك ضعيفة للغاية وتأتي عصابات مسلحة تحتاج إلى قوة من الشرطة لردعها». ويشير إلى أنه وبعض رجال مزرعته يحاولون التصدي لتلك العصابات، ولكنه يتساءل: «إلى متى سنحمي المنطقة ولماذا لا يتم تأمين المناطق الأثرية بقوات كبيرة؟». ويلفت عبد الشفيع إلى اختفاء مدينة قليون تحت الزراعة، وأيضاً إلى البناء فوق مدينة ماضي «على رغم كل ما تحويانه من آثار، وذلك على مرأى من مسؤولين لم يحركوا ساكناً». ويضيف أن العصابات تحفر وتبيع ما تجده من آثار وكذلك الرمال، «في مشهد مؤسف، فتاريخ مصر وحضارتها يتعرضان للنهب في الفيوم من دون أن يتحرك أحد». على خط مواز، ينفي أحد مسؤولي الآثار في محافظة الفيوم (فضل عدم ذكر اسمه)، استيلاء عصابات على الآثار بالمنطقة"، مؤكداً أن «مدينة ماضي يوجد فيها حراسة ضعفت قليلاً في أعقاب ثورة يناير لكنها ازدادت قوة عقب رجوع الأمن لقوته». لكنه يعترف بوجود عمليات تنقيب غير شرعية لكن «يقوم بها ضعاف نفوس في مناطق بعيدة عن المدن الأثرية ولا سيطرة لرجال الأمن عليه». في المقابل، يطالب القسم الأكبر من أهالي المنطقة بحراسة مكثفة لحماية المناطق الأثرية ذات الأهمية التاريخية والوطنية الاستثنائية.