لم تستقطب الدعوات إلى تنظيم «عصيان مدني» في مصر اهتمام الشارع الذي تجاهلها إلى حد بعيد، حتى ان يوم أمس بدا يوماً عادياً لم يشهد تعطيل أي من وسائل النقل الحكومية، غير أن الدعوة لقيت تأييداً في قطاعات الطلاب، خصوصاً في الجامعات، وتحولت إلى إضراب طلابي محدود، فيما استبق المجلس العسكري يوم العصيان ببيان حذَّر فيه من «مخططات تستهدف ضرب الثورة»، و «مؤامرات تحاك ضد الوطن هدفها تقويض مؤسسات الدولة وغايتها إسقاط الدولة نفسها لتسود الفوضى ويعمّ الخراب». وانتظم العمل أمس في قطاع النقل العام بمختلف وسائله، وبدت حركة السير في الشوارع عادية، وفتحت المحال التجارية أبوابها، فيما لم يتأثر العمل في المستشفيات الحكومية والخاصة، وكذلك بعض المصالح الحكومية التي تعمل يوم السبت مثل الوحدات الصحية وبعض الإدارات التعليمية، علماً بأن السبت تتعطل فيه غالبية المؤسسات الرسمية والبنوك. وسارت حركة النقل والمواصلات بصورة معتادة، وسُيِّرت قطارات مترو الأنفاق في شكل طبيعي، وشهد زحاماً كالمعتاد، كما رصدت «الحياة» انتظام سير العمل في مواقف حافلات النقل العام، كما لم يتم التبليغ عن تعطل أي قطارات بسبب الإضراب. وعُلِّقت لافتة كبيرة في «محطة مصر»، وهي محطة القطارات الرئيسة في القاهرة، تؤكد رفض العاملين في هيئة السكك الحديد الإضراب. وأذاعت الإذاعة الداخلية للمحطة أغاني وطنية. واستنفر مسؤولو الدولة على أعلى مستوى للتأكد من انتظام حركة النقل التي عُدّت من أهم مؤشرات اختبار صدى الدعوة للعصيان، فاستهل وزير النقل جلال مصطفى عمله أمس بجولة في «محطة مصر» للاطمئنان على سير العمل فيها، وانتظام حركة القطارات، ثم جال في عدد من محطات مترو الأنفاق للتأكد من انتظام العمل فيها. وقال رئيس هيئة السكك الحديد هاني حجاب إن «العمل منتظم في كل قطاعات الهيئة»، مشيراً إلى أن «حركة القطارات انتظمت في مختلف المحافظات»، فيما أكد رئيس «الشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو الأنفاق» علي متولي أن «حركة تشغيل خطي المترو منتظمة وتسير على أكمل وجه». وشهد مطار القاهرة الدولي أمس استنفاراً أمنياً، إذ انتشر في محيطه مئات من جنود الشرطة العسكرية معززين بمدرعات، فيما انتشرت الشرطة المدنية داخل صالات المطار بكثافة. وسارت حركة النقل في المطار في شكل اعتيادي. وقال رئيس الشركة القابضة للمطارات والملاحة الجوية حسن راشد إن «أحداً من العاملين في الشركة لم يتغيب عن العمل، والجميع كان على مستوى المسؤولية»، مشيراً إلى أنه تلقى طلباً بإلغاء ثلاث رحلات فقط من بين أكثر من 300 رحلة على مدار اليوم. وانتظم العمل في المستشفيات الحكومية والخاصة. وذكرت وزارة الصحة في بيان أن «جميع المستشفيات والمراكز والهيئات التابعة لها تعمل بكامل طاقتها». وأكدت «رفع درجة الاستعدادات بجميع المستشفيات والتزام جميع الأطباء بالعمل ورفع درجة الاستعداد بجميع مرافق الإسعاف». في المقابل، وجدت الدعوة إلى الإضراب صدى بين طلاب المدارس والجامعات، ففي أول أيام استئناف الدراسة في الفصل الدراسي الثاني رفع عدد من طلاب عدد من المدارس الخاصة التي تفتح أبوابها يوم السبت لافتات أعلنوا فيها إضرابهم عن الدراسة للمطالبة بإسقاط حكم المجلس العسكري، كما شهدت جامعات عدة حراكاً في هذا الصدد، إذ تجمع مئات الطلاب في جامعة القاهرة، ونظموا مسيرات داخل الجامعة تطالب بتسليم السلطة إلى المدنيين، وأعلنوا الإضراب لحين تنفيذ مطالبهم، فيما فضَّل زملاء لهم الانتظام في الدراسة. وفي جامعة المنصورة، نظَّم طلاب تظاهرة حملوا خلالها أكفانهم تعبيراً عن استعدادهم للموت في سبيل تنفيذ مطالبهم. وعلَّقت «أكاديمية السادات» الخاصة لافتة على بوابتها الرئيسة كتب عليها «إضراب»، في إعلان لانضمامها لدعوات الإضراب. ونظَّم عدد من طلاب جامعة عين شمس تظاهرة أمام الجامعة رفعوا فيها لافتات مؤيدة للعصيان ومطالبة برحيل العسكر عن الحكم. واعتبر الناطق باسم «حركة 6 أبريل» محمود عفيفي أن «الإضراب حقق نجاحاً جزئياً كبداية، فنحن لم ندع إلى إضراب عام»، مشيراً إلى أن نسبة المشاركة الطلابية في الإضراب كانت عالية جداً. وأضاف ل «الحياة»: «لا يوجد إضراب بنسبة 100 في المئة، ولا حتى 50 في المئة... إن نجح الإضراب بنسبة 10 أو 15 في المئة، فهذا شيء رائع»، لافتاً إلى أن «المشاركة الطلابية في العصيان هي البداية، وسينضم عمال جدد إليه اعتباراً من الغد». وأوضح أنه «سيتم تقويم التجربة بعد غد للاتفاق على ما إذا كانت ستشهد تصعيداً أم سيتم الاكتفاء بثلاثة أيام». من جانبها، قالت الناطقة باسم «اتحاد شباب الثورة» رنا فاروق ل «الحياة» إن «كل الجامعات شاركت في الإضراب، وهذا نجاح معقول»، مشيرة إلى أن «الإضراب لم يجد استجابة فقط من عمال النقل العام، وهذا أمر جيد، فلم نكن نريد تعطيل مصالح المصريين». وكان المجلس العسكري استبق يوم العصيان برسالة أكد فيها التزامه تسليم السلطة للمدنيين، محذراً من «مخططات تستهدف إسقاط الدولة». وقال: «شارك الجيش في ثورة الشعب من دون أن تنتابه حيرة أو تراوده لحظة تردد في اختياره الوطني بأن يكون درع الحماية لهذا الشعب وثورته»، مشدداً على «التصميم على عبور الفترة الانتقالية بسلام والوفاء بتعهداته أمام الشعب بتسليم الحكم إلى سلطة مدنية منتخبة». وأشار إلى «تسليم سلطة التشريع إلى مجلس الشعب». وقال: «نواجه هذه الأيام مرحلة هي الأصعب منذ قيام الثورة... مصر تتعرض لمخططات تستهدف ضرب الثورة عن طريق بثِّ الفتنة بين أبناء الشعب والفرقة والوقيعة بينهم وبين القوات المسلحة، نواجه مؤامرات تحاك ضد الوطن هدفها تقويض مؤسسات الدولة المصرية وغايتها إسقاط الدولة نفسها لتسود الفوضى، ويعمّ الخراب، ويهنأ أعداء الوطن، وهو ما لن يتحقق». وشدد على أن المجلس «لن يخضع لتهديدات ولن يرضخ لضغوط ولن يقبل إملاءات».