لم أتجاوز السابعة من عمري عندما حملني خالي محمد بن سعد المعجل، أحد أعضاء الشرف الحاليين والفاعلين بنادي الاتفاق، على ظهره وهو فرحاً إلى خارج منزلنا الواقع في منطقة العدامة بالدمام والتي تعتبر إحدى معاقل نادي الاتفاق واسألوا الكاتب تركي الحمد الذي كان بيته مجاوراً لمقر النادي وينتمي آنذاك إلى «نادٍ آخر» غير رياضي! ما أن وصلنا إلى ركن الرصيف حتى بدأت مسيرة سيارات صاخبة تمر علينا ولم تكن في الواقع أكثر من 20 سيارة صغيرة وشاحنة واحدة ولكن كانت نسبة عالية آنذاك، صفّقت ورقصت معهم ولا أدري ما المناسبة، كنت أعرف أنه ليس عيداً وإلا ألبسوني ثوباً جديداً! كان سبب الاحتفال فوز الاتفاق بكأس الملك فيصل رحمه الله على الهلال في الرياض وبنتيجة 4-2، لا تزال هذه الذكرى والتي مضى عليها 44 عاماً منقوشة في ذاكرتي وأستعيدها مراراً لتساعدني على تحمّل المصائب اللاحقة! من القصص التي سمعتها آنذاك أن رئيس الهلال جهّز مكاناً للكأس في مقر النادي قبل المباراة بأيام، هذا التصرف المتعالي أغضب الجماهير الاتفاقية وبعد الفوز العريض انقلب الغضب إلى قصة نسردها بمرح لا يخلو من سخرية! ابتعد الاتفاق عن الكؤوس بعد تلك البطولة لأسباب كثيرة منها «تهريب» بعض لاعبيه إلى أندية «أخرى»، إضافة إلى مشكلته الأزلية في توافر الإمكانات المادية، ظل الهلال طوال هذه السنوات طرفاً ثابتاً في جميع البطولات، وبمعنى أدق كانت الفرق الأخرى (ولا تزال) هي التي تتنافس مع الهلال وليس العكس، هذه كلمة حق وإن أغضبت الكثيرين الذين يصرون على أن الهلال كان أكثر المستفيدين من وسيلة «مساعدة صديق»، ولا سيما قبل نقل المباريات على الهواء وتعدد القنوات الفضائية وتنوع الآراء، قبل أن يعرفها الجمهور في برنامج المليون! انقطع الود الطبيعي بين الاتفاق والنصر أواخر السبعينات الميلادية واستغلت إدارة الهلال الذكية، وهذه سمة إداراته، الفجوة ودخل منها، فالهلال يعرف مثل غيره أن هناك لاعبين اتفاقيين في سن الشباب يريدون الانتقال إلى نادٍ يساعدهم في بناء مستقبلهم، ومن الحكمة أن تكون علاقتهم جيدة مع إدارة الاتفاق، على رغم هذا الغزل «غير العفيف» بين الإدارتين ظل حبل الود من طرف جماهير الاتفاق مفقوداً، والطريف في الأمر أن قسماً من الإعلام الهلالي تنازل عن بعض كبريائه وغروره ووقف مع الاتفاق على استحياء ولا تعرف بالضبط إن كان يدار من النادي أم العكس؟ في عام 1982 ميلادية عاد الاتفاق وعيناه على بطولة الدوري، وكان منافسه القديم «الجديد» لا يزال يصول ويجول كالحصان الجامح لا يتنازل عن أية بطولة، أحرز الاتفاق البطولة من دون هزيمة وللمرة الأولى في تاريخ البطولات السعودية، وعادت حليمة لعادتها القديمة وانتكس الإعلام الهلالي على الاتفاق الذي لم يتقبل خسارة فريقه للدوري بروح أخوية زاعماً بأن فريق النصر هو الذي أهدى البطولة للاتفاق عندما فاز على الهلال في المباراة الأخيرة من الدوري ولا أدري لماذا لم يعترفوا بأن الهلال هو الذي خسرها لعدم قدرته على الظفر بنقطة واحدة كانت تكفيه لإحراز البطولة إلا إذا كان النصر قد أهدى الاتفاق نقطة من نقاطه؟ ألله وحده أعلم! تكرر السيناريو السابق بحذافيره عام 1987 ميلادية وأحرز الاتفاق البطولة بعد خسارة الهلال من النصر وفي المباراة الأخيرة أيضاً، تكررت أسطوانة الإعلام الهلالي وتيقنت حينها بأن الأمر لا يتعلق فقط بجهل أو بعد منطق لدى الكثيرين منهم، ولكنه التعصب والنظرة الدونية للآخرين وذهب ضحية هذا التعصب جماهير الهلال الكثيرة التي يُحْسَدُ الهلال عليها! المقارنة ما بين الاتفاق والهلال تذكرني مع فارق المكان والزمان وكل شيء بالمقارنة ما بين برشلونة وريال مدريد، إذ يزعم البرشلونيون بأن ثلاثة أرباع بطولات ريال مدريد غير شرعية ولا سيما التي أحرزها أثناء حكم الديكتاتور فرانكو الذي لم يتوانَ في عمل كل ما يستطيع لإحراز فريقه البطولات، أما ما بين الاتفاق والهلال فالمقارنة ظالمة لكلا الفريقين وغير منطقية أيضاً، فالأخير يمتلك أهم الأسلحة منها الدعم الإعلامي الذي يحسب حسابه من له صلة بالرياضة والأموال التي تتدفق من دون «حساب ومن جيوب خاصة» تذكرك بالأنهار الجارية أثناء هطول الأمطار، وأخيراً الإمكانات «المعنوية» التي يمتلكها الهلال ونظرة سريعة في المنصة الرئيسة أثناء مبارياته تكفي! ومع ذلك ما زلت أقول بأن نادي الهلال وجماهيره هما الأقوى بكل المقاييس، ارتبط بثقافة الفوز التي لا يمتلكها فريق سعودي منذ عرفت الرياضة، في ما عدا نصر يوسف خميس وماجد عبدالله ومحسين الجمعان، شاهدوه وهو يلعب، دائماً ينظر إلى الأمام فائزاً كان أم خاسراً، يعرف أن خياره الوحيد الفوز لا غير، يدخل الملعب واثقاً ولا «يهوجس» مثل الآخرين بأمور تحصل وربما بفعل فاعل! ونحن الآن على بعد ساعات من مباراة الليلة، لي طلب لدى الأمير عبدالرحمن بن مساعد، وأرجو ألا يخيّب ظني: تعالى علينا قليلاً واحجز مكاناً للكأس في إحدى زوايا ناديكم، وأعدك بأننا لن نغضب عليك وربما نعيد وُداً كان مفقودًا! [email protected]