لا تزال فكرة تعديل المناهج التعليمية في الأردن بما يتناسب مع الواقع الجديد الذي خلّفه الربيع العربي في سلوك المواطن العربي وذهنيته تصطدم بتحديات وقناعات سياسية متحجرة، أهمها أن السلطات ترفض تغيير أدواتها في السلطة والحكم، على اعتبار أن رياح الربيع العربي لم تهب أصلاً على الأردن، بل إن مسيرة الإصلاح هي خيار أردني أولاً وسبق كل هذا الربيع. ولكن السلطة في الأردن تكتفي بالإعلان عن خريطة طريق للإصلاح لم توضح فيها النهايات، ويتأكد المواطنون كل يوم من أن السلطة تتأخر في اتخاذ خطوات عملية في تحقيق الإصلاح الذي تتحدث عنه في كل مناسبة، مثل قوانين الانتخابات النيابية والبلدية والأحزاب السياسية وتعديل المناهج المدرسية والجامعية. وتكتفي السلطة ومن باب إثبات جديتها بالإصلاح بالإعلان عن كشفها قضايا فساد تتعلق بالمال العام، إلا أن الشعب لا يرى في النهاية إعادة لهذة الأموال أو تقديم أحد للمحاكمة باستثناء شخصين أو ثلاثة سأم الأردنيون من تكرار أسمائهم، فيما كثيرون من المتورطين في مثل هذة القضايا معروفون ولا يزالون طلقاء، ما يعمق أزمة الثقة بين الناس والسلطة، في جديتها بمحاربة هذة الظاهرة وتحقيق الإصلاح الذي يتحدث عنه رموزها في كل مناسبة. ولعل الأسوأ من ذلك كله أن السلطات مقتنعة بأن الشعب الأردني يعيش في واحة من الديموقراطية وسط محيط من الاستبداد، فيما يقف خواء الموازنة العامة للدولة من أي فوائض مالية سداً منيعاً أمام أي تفكير في تعديل هذة المناهج إذا افترضنا توافر نية لتعديلها أصلاً. لكن تعديل المناهج الذي يعتبر ضرورة ملحة من وجهة نظر كثيرين من الناشطين، استبدل في الأردن بتفعيل دور دائرة الإفتاء التي قليلاً ما كان يسمع منها المواطن الأردني فتوى أو رأياً. أما اليوم فدرج تعميم الفتاوى في شكل ممنهج على وسائل الإعلام للتصدي لأي ظاهرة تتصل بمفرزات الربيع العربي، مثل تحريم إشعال الإنسان النار في نفسه، والتي كانت شرارة ثورة الياسمين في تونس، في وقت اجتاح هذا الأسلوب في الاحتجاج معظم المدن الأردنية في الفترة الأخيرة. وإضافة إلى الفتاوى السالفة التي ضمت أيضاً تحريم «أعمال الشغب» والإضرار بالممتلكات العامة، هناك تركيز على تحريم مخالفة الحاكم والتحذير من الفتن، ومثلها الكثير مما يتصل بآثار الثورات العربية. ويقول الناشط فاخر دعاس إن المقررات والمناهج الدراسية في الأردن تحتاج إلى تعديلات ضرورية، بحيث تأخذ الأوضاع الداخلية للممكلة الجزء الأكبر من الاهتمام والتركيز، مشيراً إلى ضرورة أن تتضح في هذه المناهج معالم حاجات الناس ومتطلباتهم الأساسية في شكل لا لبس فيه، بخاصة حاجتهم للحرية والديموقراطية والتي تضاهي حاجتهم للغذاء. ويؤكد الخبير الأكاديمي والناشط في الحراك الشبابي الأردني هشال عضايلة ضرورة إنتاج مناهج جديدة مبلورة ومرتبطة بجدول زمني، تهتم في تعزيز قيم محاربة الفساد وتنسحب على كل المستويات والقطاعات العامة والخاصة، ومعالجة الفقر والبطالة، وتحقيق العدالة والمساواة.