أصبح اسم مضيق هرمز مألوفاً في الأخبار اليومية، سواء محلية أو إقليمية أو عالمية، وفي وسائل الإعلام كافة، ومن دون استثناء، خصوصاً في الأشهر الأخيرة، وبعد التهديد الإيراني بإغلاقه في وجه الملاحة الدولية في حال تم فرض حظر دولي على صادرات نفطها، لذلك نرى أن الأخبار تتشكل وتتوالى وتتغير عن هذا المضيق الحيوي لاقتصاد العالم في كل يوم أو أسبوع، بحسب المعطيات السياسية والاقتصادية الصادرة من الدول ذات العلاقة. وبنظرة تحليلية فاحصة لأهم الأحداث والتحركات التي شكلت الأخبار خلال الفترة الماضية، نرى أن الأمور تتجه باتجاهين هما التهدئة من جهة، وإشارات الحشدين السياسي والعسكري من جهة أخرى، والدليل هو عدد من المؤشرات التي سنستعرضها. لقد تمت موافقة الاتحاد الأوروبي على مقاطعة النفط الإيراني، إذ صادق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الاثنين الماضي، على قرار بفرض مقاطعة على النفط الإيراني، وذلك في إطار زيادة الضغوط الدولية على إيران، كذلك من المتوقع أن يصادق الوزراء، في مؤتمر يُعقد في بروكسل، على قرار بتجميد أملاك تابعة للبنك المركزي الإيراني، وهو ما يحرم إيران من جزء من مصادر دخلها، لذلك قامت إيران وبخطوة تنم عن عدم اكتراثها بالقرار الأوروبي، ومن خلال مجلس الشورى الإيراني بمناقشة منع تصدير النفط الإيراني إلى دول الاتحاد الأوروبي، كخطوة استباقية، وعدم الانتظار إلى شهر حزيران (يونيو) المقبل، بحسب القرار الأوروبي، لكن المجلس أجل المشاورات إلى وقت لاحق. كذلك تدل زيارة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية يوم الأحد الماضي، برئاسة كبير مفتشي الوكالة البلجيكي هرمان ناكيرتس، إلى طهران، على مؤشر للتهدئة مع المجتمع الدولي بشأن الملف النووي الإيراني، وتصريح وزير الخارجية الإيراني صالحي بأنه لا مانع لدى إيران من تمديد الزيارة، إذا رغب المفتشون في ذلك، وكأن إيران تسابق الزمن للتهدئة مع الأطراف الغربية، بعد أن صعدت في مرحلة سابقة من خلال إعلانها عن التخصيب لليورانيوم في منشأة قم إلى 20 في المئة. إن نية البحرية الأميركية إنشاء قاعدة عائمة كبيرة لاستقبال قوات خاصة في الخليج، هي مؤشر على زيادة الضغط العسكري على إيران، وهو ما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست»، في «28 - 1 - 2012»، مبررة ذلك بتزايد التوتر مع إيران، وتصاعد المعارك في اليمن، والوضع المتردي في الصومال، إذ أكدت الصحيفة، نقلاً عن وثائق لم تحدد مصدرها، أن البحرية الأميركية ستقوم بتجريد إحدى سفنها من سلاحها لتحويلها إلى قاعدة عائمة لوحدات خاصة، بطلب من القيادة الإستراتيجية الأميركية (القيادة الوسطى)، وتستطيع القاعدة استقبال زوارق سريعة صغيرة ومروحيات تستخدمها عادة القوات الخاصة للبحرية الأميركية، تتمكن من خلالها استهداف أي دولة بضربة عسكرية، أو عمليات خاصة، من دون إحراج الدول التي لها قواعد بحرية أو جوية فيها. كما أن قيام الإمارات بمد خط لأنابيب النفط إلى إمارة الفجيرة على بحر العرب، تجنباً لمرور تصدير نفطها في مضيق هرمز، مؤشر على تزايد الضغط على إيران من أجل تقليل تأثير التهديد بإغلاق المضيق، ولا يزال المشروع قيد الدرس ولم يتم البدء فيه، لكنه خيار استراتيجي للإمارات، ومن الممكن أن تستخدمه قطر والكويت كذلك بعد الاتفاق مع الإمارات وعمان. لقد أظهرت تصريحات «ليؤون بانيتا» في مقابلة مع شبكة «سي بي إس» الإخبارية يوم الثلثاء الماضي، أن إيران قادرة على صنع القنبلة النووية، إذا اتخذ قرار سياسي بذلك في غضون عام، وما يتعلق بوسائل إرسالها فقد تحتاج عاماً آخر أو عامين، أي وتركيبها على الصواريخ، أو غيرها من الوسائل، وأن الولاياتالمتحدة الأميركية تتابع التطورات النووية الإيرانية بشكل متواصل، وقد نوه بأن الولاياتالمتحدة ستقوم بكل ما هو ضروري لوقف البرنامج النووي الإيراني، مبيناً أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، وكأنه يقول للإيرانيين إننا نراقبكم، وللإسرائيليين لا تُقدموا على حماقة فنحن متابعون. لقد قام عدد من المسؤولين الإيرانيين بزيارات لتركيا في الشهرين الأخيرين، مثل رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني، ووزير الخارجية علي أكبر صالحي، وعقدا عدداً من اللقاءات مع المسؤولين الأتراك، عدا زيارات لمسؤولين آخرين على مستوى مستشارين، وكذلك زيارات وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو المتكررة إلى إيران، وكان الملفان المهمان في كل هذه اللقاءات هما التوتر في الخليج، والوضع المتفاقم في سورية. كما جاء الاجتماع الوزاري المشترك الرابع للحوار الإستراتيجي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجمهورية تركيا، الذي عُقد في «28 - 1 - 2012» في مدينة إسطنبول، في وقت يبدو أن الطرفين بحاجة له، إذ إن اللقاء مجدول في الأساس للحوار الاستراتيجي وهو اللقاء الرابع، لكن ظروف وتطورات الأحداث في المنطقة، طرحت الملفين السوري والإيراني للمناقشة المستفيضة من الوزراء، نظراً لأهميتهما لدول الاجتماع، سواء دول مجلس التعاون الخليجي أو تركيا، وعلى المستويات كافة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى الإنسانية. يرى الكثير من الخبراء والمحللين أن سياسة العصا والجزرة هي القائمة بين الطرفين، سواء الولاياتالمتحدة وحلفائها، أو إيران، وذلك بغية التهدئة وحل الملفات العالقة بينهما، من خلال الأخذ والعطاء، ولذلك جاءت التهدئة الإيرانية بعد رسالة أوباما إلى مرشد الجمهورية الإيرانية التي لم يعرف فحواها حتى الآن، ومنذ ذلك الحين خفت التصريحات النارية الإيرانية، وفي الجانب الآخر، بدأ الغرب يظهر أن العمل العسكري غير مطروح الآن، ولذلك تأتي هذه الضغوط على إيران في الاقتصاد والسياسة، وبحسب رأي الخبراء والمحللين، لتخفيف دعمها وتشددها، في سورية ولبنان، اللتين تزداد الضغوط الداخلية عليهما من أجل التغيير. إن كل المؤشرات السابقة، تدل على أن التهدئة والتفاهم، وعدم الوصول إلى المواجهة العسكرية بين الطرفين، أو التحضير لها، ستكون سيدة الموقف، وذلك لعدم قناعة الطرفين بنتائج هذه المواجهة على مصالحهما، وتداخلها مع الكثير من المصالح الدولية الأخرى. والسؤال المطروح هو: ما ثمن التهدئة والتفاهم بين الطرفين؟... الأيام المقبلة ستكشف ذلك. * أكاديمي سعودي. [email protected]