بعدما كرّت سبحة أفلام ومسلسلات العشوائيات، ربما سنشهد من الآن فصاعداً ظاهرة كليبات العشوائيات. فإذا قدّر لنجوم المسلسلات والأفلام أن يتكئوا على قصص ملفقة من هنا وهناك، يمكنها الادعاء ببساطة أنها تسلط الضوء على هموم ساكني العشوائيات، فإن الفيديو كليب الذي نذهب إليه لا يكلف نفسه عناء ذلك. مشكلة المغني بشار درويش في اغنية «خلاص يا قلبي» لا يبدو أنها موجودة بين الأبنية المخالفة. مشكلته في مكان آخر، مع حبيبته ربما، والناس الذين يكيدون لهما. المغني درويش لا يكلف نفسه عناء ايضاح جذور مشكلته العاطفية التي تلازمه في مثل هذا المكان «النائي»، ومخرجة الكليب رندلى قديح، وجدت في هذا المكان – يشبه مخيم شاتيلا إلى حد بعيد – إطاراً مناسباً لفكرتها عن العشوائيات. بالطبع لن نخوض في هذه المشكلة بصفتها ظاهرة عالمية، يمكنها أن تصبح كما هو متوقع لها «مستقبل» المدن الحديثة بعد عقود قليلة. هذا موضوع مختلف تماماً، لكننا نحاول هنا أن نشخص ظاهرة لا شك في انها ستنتشر من باب التقليد الأعمى، ليصبح لدينا أيضاً مغنو ومغنيات العشوائيات. وأصحاب هذا النوع من الغناء سيكونون على الأرجح ضيوفاً ثقيلي الظل على أصحاب هذه الأمكنة، فمشاكلهم وهمومهم مختلفة تماماً، والسماجات العاطفية التي قد تحصل على مرأى منهم قد لا تثير فيهم سوى الشعور بالأسى، ذلك أن «ضيوفهم» يستخدمون أماكنهم كديكورات عشوائية طبيعية تؤدي وظيفة خلفية غير مدروسة لكلام سطحي مفرغ من محتواه. تصوير أغنية «خلاص يا قلبي» قد يكون جرى في مخيم شاتيلا إن لم نخطئ. فالزواريب والوجوه هي نفسها، وهؤلاء الناس الذين يظهرون في الأغنية مجبرون على البقاء في أمكنتهم، ولم تكن لديهم يد في «صناعة» هذه المساكن التي بنيت فوق رؤوسهم في غفلة من الزمن. نرجو ألا يكون التصوير قد تمّ في هذا المخيم، فمأساة أصحابه تختلف تماماً عن مآسي عشوائيات كثيرة. ومشكلة شاتيلا ليست في عشوائية أبنيته كي تصبح مسرحاً لأغنية من هذا النوع. مشكلته تكمن في بقاء الشعب الفلسطيني نفسه مشرداً خارج أرضه، وبعيداً من بلاده، وليس في بقائه ضمن هذه «العشوائيات». هل يمكننا بعد هذا أن ننسى فيلم المخرج السويسري ريشار دندو الذي صوره في شاتيلا عن نص جان جينيه «أربع ساعات في شاتيلا»، وفيه يداعب سيدة فلسطينية دفنت أربعة من أولادها في باحة بيتها إبان حرب المخيمات بقوله إنهم سيشقون طريقاً يصل إلى المطار وسيمر من بيتها كما هو متوقع. الاجابة بالطبع ستكون مذهلة لمن لا يعرف العجائز الفلسطينيات، اذ تقول السيدة إنها ستجمع عظام أولادها في كيس وتمضي بهم إلى فلسطين مشياً؟ مشكلة الناس في شاتيلا خرافية الطابع ولاعلاقة لها بعشوائيات المدن العربية الحديثة إطلاقاً!