ضجت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية باستنكار حصول سيدة تُدعى «جاكلين بنت جوزيف بن لويس» على أرض «منحة» من أمانة جدة، بعد ورود اسمها في قائمة الممنوحين التي أعلنت أخيراً، وسبب الضجة أن اسم السيدة يوحي بأنها غير سعودية، إضافة إلى أن اسمي والدها وجدها يؤكدان أنها مقبلة من ثقافة «مسيحية» لا علاقة لها بصحارينا الشاسعة، لكن المفاجأة، بحسب موقع «أنحاء» الإلكتروني، جاءت في تصريح على لسان مسؤول في أمانة جدة، أكد فيه أن السيدة الممنوحة تحمل الجنسية السعودية، وهذا سبب كافٍ لحصولها على الأرض. حسناً يا سادة يا كرام... اسمحوا لي أن أعترف على الملأ أنني أحسد السيدة «جاكلين» حسداً عظيماً لن تنفعها معه جميع التعاويذ، وأتمنى أن تلتمسوا لي العذر في ذلك، فأنا مواطن سعودي صالح، عمّر أجدادي هذه الأرض منذ أكثر من 2000 عام، ودفنت عظامهم فيها، بل إن تراب المنحة التي حصلت عليها السيدة جاكلين قد يكون متكوناً من رفات بعض أجدادي وأقاربهم، لكنني مع ذلك لم أحصل على «شبر مربع» كمنحة من الأمانات أو غيرها... صحيح أنني لم أتقدم بطلب منحة طوال حياتي، لكن ذلك لا يعني أن أمتنع عن حسد الممنوحين المقبلين من الأراضي البعيدة. لست عنصرياً أبداً، ولا أحمل ضغينة تجاه إخوتي المجنسين، ولست كذلك بحاجة ل «منحة»، فالله المغني، لكني أعلم أن أكثر من 70 في المئة من أبناء هذا الوطن لا يمتلكون مساكن خاصة، وأن معظمهم لا يستطيع النوم ليلاً من دون أن يفكر في كيفية دفع إيجار المنزل الذي يستر أسرته، مع أن الحلول لهذه الإشكالية التي تكبر يوماً بعد يوم، وبات من المتوقع أن تتحول إلى كارثة ليست حلولاً سحرية، بل تحتاج لقرارات تجبر أمانات المدن والبلديات على تخطيط أكبر قدر ممكن من الأراضي المملوكة للدولة خارج النطاق العمراني، ومن ثم توزيعها على المواطنين مع إيصال الخدمات لها، فإن كنا سننتظر من وزارة الإسكان أن تبني لكل مواطن وحدة سكنية، فذلك يعني أن معظم السعوديين سيقضون أعمارهم كاملة في انتظار موعد تسلم تلك الوحدات الموعودة. إن مشكلة المواطنين الذين لا يمتلكون مساكن خاصة، بكل اختصار، تقف وراءها وزارة الشؤون البلدية والقروية، التي لم تعمل طوال عقود على تجهيز المخططات وتوزيع المنح بشكل متوازٍ مع النمو السكاني، بل وعملت بشكل صارم على منع السعوديين الذين امتلكوا أراضي بكدهم وعرقهم من بناء منازلهم باشتراطاتها العقيمة وغير المنطقية، ولو سأل أي مسؤول في هذه الوزارة نفسه عن سبب امتلاك معظم أفراد الشعوب الأخرى لمنازلهم، وألقى نظرة على منازل الأوروبيين والأميركيين، لأدرك أن عقليته السقيمة هي العقبة الأساسية في طريق امتلاك السعودي لمنزل خاص، إنهم يشترطون على المواطن أن يبني منزلاً من مواد محددة، وباشتراطات غريبة، تجعل كلفة بناء المنزل في السعودية أعلى من كلفة بناء عشرة منازل حديثة الطراز في كاليفورنيا، ثم بعد هذا كله يأتي من يتساءل عن أسباب عدم امتلاك السعوديين منازل خاصة في وطنهم. إنني أقولها بكل صراحة، ورزقي على الله، لن تحل مشكلة السكن في السعودية حتى يمنح كل سعودي، يحمل بطاقة هوية وطنية، أرضاً مخططة ومنظمة من أراضي وطنه من دون تعطيل أو تأخير، هذا إضافة إلى ضرورة استنساخ تجارب البناء الاقتصادي من الدول الأخرى، وإلقاء اشتراطات البلديات في سلة المهملات، عندها فقط لن يحسد أحد السيدة «جاكلين»، ولن تنقلب الدنيا بعد إعلان قائمة ممنوحين هنا أو هناك. [email protected] Twitter | @Hani_AlDhahiry