عادت قضية الحدود اللبنانية مع سورية في منطقة الشمال إلى الواجهة مع مقتل الفتى اللبناني ماهر حمد (16 سنة) ونقله إلى داخل الأراضي السورية لنحو 24 ساعة مع عميه الصيادين خالد وفادي اللذين تعرضا لإطلاق نار وتعذيب بهدف انتزاع اعترافات منهما بتهريب أسلحة من شمال لبنان إلى سورية. وكان ماهر قتل بعدما اعترض مركب تابع للبحرية السورية زورق الصيد العائد لعمي ماهر خلال خروجهم للصيد في المياه الإقليمية اللبنانية في نقطة تعرف ب «تحت الجسر» وهي نقطة مكشوفة تبعد عشرات الأمتار من الحدود مع سورية، اعتاد الصيادون اللبنانيون على الصيد فيها بموافقة الجيش اللبناني. ومع اعتراض المركب السوري، صعد ضابط سوري إلى زورق الصيادين وشهر عليهم سلاحه، ثم حصل تعارك أطلقت بعده النار على الصيادين ما تسبب بمقتل ماهر وإصابة خالد برصاصتين في رجله، نقلوا بعدها مقيدي الأيدي إلى سورية. وبعد اتصالات مكثفة تولاها الرؤساء اللبنانيون والمرجعيات، سلمت السلطات السورية فجر امس إلى الصليب الأحمر على الحدود اللبنانية - السورية المخطوفين الثلاثة، في ظل حال من الغضب العارم سيطر على مناطق شمال لبنان وخصوصا بلدة العريضة التي شيعت ماهر بمشاركة حشد كبير من أبناء عكار. وعلى وقع صيحات الاستنكار لما وصفوه «انتهاكات سورية» حمل الأهالي جثمان ماهر ملفوفاً بعلم «تيار المستقبل»، وجالوا فيه عند نقطة الحدود في العريضة قبل أن يوارى الثرى في مدافن العائلة في قرية الشيخ زناد القريبة. وطالب أهالي العريضة وعائلة الصيادين السلطات السورية بالإفراج عن مركب الصيد الذي لا يزال في عهدة البحرية السورية، معلنين انهم لن يعيدوا فتح الطريق الدولية التي اقفلوها بالإطارات المشتعلة إلا بعد إعادة المركب. أما خالد فنقل إلى مستشفى طرابلس الحكومي ووصف مقربون منه وضعه بالحرج. في حين تحدث فادي عما جرى معه، بينما بدت على جسده آثار الضرب والتعذيب، وقال: «كانوا (السوريون) يضربوننا ويقولون إننا ننقل أسلحة من «تيار المستقبل» إلى بانياس. فكنت ارد عليهم بالإيجاب. وقلت للضابط أن يكتب ما يريد وإنني سأوقع على ذلك، وقلت له انت قل لي ما تريدني أن أقول وسأقوله». وأضاف أن «ماهر مات في المركب بعدما صعد إليه العساكر والشبيحة وأطلقوا النار عليه في خاصرته». وتوالت المواقف المنددة بالحادث، وانتقد عضو كتلة «المستقبل» النيابية خالد الضاهر الذي شارك في تشييع ماهر الحكومة اللبنانية، وأشار إلى أعمال جرت «كانت تستدعي طرد السفير السوري». وأسف عضو الكتلة نفسها معين المرعبي لاعتبار الجيش اللبناني «شرطي سير». وقال إن الجيش «تخلّى عن دوره في حماية الحدود اللبنانية». وقال في مداخلة عبر «أل بي سي» امس: «عمل الجيش هو حماية الناس، وإن لم يكن يريد حمايتنا فلا مشكلة، وليقدموا لنا السلاح الذي يملكونه ونحن مستعدون لأن نحمي انفسنا». وأضاف: «إذا لم يستطيعوا حماية الحدود فليستدعوا قوات الأممالمتحدة لتحميها». ونوه النائب نضال طعمة بموقف رئيس الجمهورية ميشال سليمان من قضية احتجاز الصيادين، وقال خلال تقديمه التعزية لعائلة حمد امس، إن تدخل سليمان «يجب أن يكون حافزاً لكل الأجهزة الأمنية كي تقوم بواجباتها كاملة في إطار حفظ السيادة الوطنية وهذا من المفترض أن يحفز عليه أيضاً دخول الرئيس نجيب ميقاتي على الموجة عينها». وطالب النائب عاطف مجدلاني بجلسة حكومية طارئة لاتخاذ موقف من «الاعتداءات السورية والإيرانية»، وحمل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مسؤولية «الرد والتوضيح واتخاذ الموقف المناسب من الاعتداءات التي يتعرض لها لبنان». وقال: «لم يعد يكفي أن تبادر الحكومة، عبر وزارة الخارجية، إلى استدعاء السفيرين الإيراني والسوري، ولو أننا نستغرب أن هذه الخطوة البديهية لم تُقدم عليها الحكومة بعد، بل إن المطلوب اليوم معالجة حاسمة على مستوى مجلس الوزراء». فياض في المقابل، رأى عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية علي فياض أنه «لم يعد يكفي أبداًَ أن تطلق الحكومة مواقف النأي بالنفس عن التعقيدات والتطورات التي تحدث في سورية، أو الاستماع إلى مواقف سياسية تطالب بألا يكون لبنان منصة لاستهداف هذا البلد الشقيق». وشدد فياض خلال مشاركته في حملة تشجير نظمتها بلدية حولا - قضاء مرجعيون أمس، على أنه «بات من الضروري اتخاذ الإجراءات التي من شأنها الحؤول دون أن تكون الحدود الشمالية للبنان معبراًَ أساسياً لتزويد الساحة السورية بالسلاح»، مشيراً إلى أن «هناك تقارير غربية نشرت في الأيام الماضية في عدد من الصحف العالمية أشارت إلى أن هذه الحدود هي المعبر الأساسي لتوريد السلاح إلى الداخل السوري حتى بما يفوق الحدود الأخرى مع العراق أو الأردن أو تركيا»، معتبراً أن «هذه الأنباء وإن صحت فإنها خطيره للغاية وهي تتناقض مع الموقف والحرص اللذين أعلنتهما الحكومة والتي بات عليها المباشرة بصورة عملية وحاسمة وجازمة، إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بوضع حد لهذا التسيب».