تقدّمت حادثة انهيار مبنى قديم في محلة الأشرفية في بيروت مساء أول من أمس اهتمامات اللبنانيين، سياسيين ومدنيين أمس، بخاصة أن الحادثة التي ما زالت التحقيقات دائرة للوقوف على أسبابها، أسفرت حتى عصر أمس، ووفق مدير عام الدفاع المدني العميد ريمون خطار، عن سقوط 21 قتيلاً، بينهم 7 لبنانيين، 7 سودانيين، 3 فيليبينيين ومصريان اثنان، تضاربت المعلومات حول أسمائهم نظراً إلى أن عدداً منهم لم تكن في حوزته أوراق ثبوتية. وكانت فرق الإنقاذ نجحت ليل أول من أمس في انتشال 11 جريحاً نقلوا إلى المستشفيات القريبة للمعالجة من كسور أصيبوا بها، في حين واصلت فرق الدفاع المدني والإطفاء والصليب الأحمر عمليات البحث عن ناجين أو جثث تحت الأنقاض على رغم رداءة الطقس. وأعادت الحادثة خلط الأولويات في لبنان أمس، إذ، وكما مع كل كارثة وطنية، خفت الضوء عن المشكلات السياسية الكثيرة، ليسلط على مشكلة أخرى إنسانية - اجتماعية، هي مشكلة المباني القديمة التي لم تعرف طيلة السنوات التي تلت الحرب الأهلية وعلى مدى الحكومات المتعاقبة على البلد، حلاً يريح أياً من جانبي النزاع المستدام، المالكين القدامى والمستأجرين، بقانون جديد للإيجارات، أو حتى يضمن السلامة العامة للجميع. ومع سقوط القتلى الذين لم يتوقف انتشال جثثهم من تحت الأنقاض، لا يبدو أن هذه المشكلة ستطوى. فوفق مهندسين متابعين شؤونَ المدينة يعود عدد كبير من المباني في بيروت إلى النصف الأول من القرن الماضي، وكان بعضها يتكون في تلك الفترة من طبقات قليلة، أضيفت إليها وعلى مدى السنوات اللاحقة، طبقات إضافية «غير شرعية» من دون مراعاة لمعايير السلامة العامة، تاركة الباب مشرعاً أمام احتمال وقوع حوادث إضافية قد ينجم بعضها من أعمال حفر قريبة من الأبنية القديمة أو حتى كوارث طبيعية ليس البلد بمنأى عنها. منطقة أمنية وكان الشارع الفرعي الذي يقع فيه المبنى المنهار في منطقة الأشرفية على مقربة من مصلحة المياه، تحول إلى منطقة أمنية، تحرسها مجموعة من عناصر قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني مشكلين سداً يمنع الوصول إليها إلا للمعنيين ولبعض قاطني المبنيين القديمين المجاورين للمبنى المنهار واللذين أخليا كلياً ليل أول من أمس، إضافة إلى السياسيين الذين توافدوا ما إن تردد خبر انهيار المبنى في مشهد يعيد إلى الأذهان صورتهم قبيل كل انتخابات نيابية، معلنين، كما مع كل كارثة يشهدها البلد، تضامنهم مع المتضررين. وكان تضامنهم هذا، سبباً لحال من الهرج والمرج شهدتها المحلة وأدت إلى إشكالات وتدافع بين عسكريين وبين الأقارب الذين توافدوا لتفقد أقربائهم واشتكوا من سوء معاملة من جانب القوى الأمنية. ووصلت فرق من الدفاع المدني والصليب الأحمر الليل بالنهار سعياً لانتشال من لا يزال تحت الأنقاض من سكان المبنى الذي لم يبدُ أن ثمة عدداً محدداً للموجودين داخله لحظة انهياره، بينما قدر الجيران العدد ب48 شخصاً، معظمهم من آل فرح وجعارة وعبدالكريم ونعيم، إضافة إلى أجانب من التابعيات المصرية والسودانية والفيليبينية يقطنون الطبقات السفلية. كما تولت العناصر الأمنية تأمين الدعم لفرق الإنقاذ وتأمين الطريق لمرور الجرافات التابعة لوزارة الأشغال خلال نقلها الردميات إلى خارج المنطقة. وغير بعيد مما يبدو خلية للنحل، شرح جيران ومهندسون بعضاً مما حصل. وأشار رجل يقطن في مبنى مجاور إلى أن المبنى المنهار عمره 60 سنة، وأنه مكون من ست طبقات شيدت في فترات زمنية منفصلة من دون مراعاة إشراف هندسي. ودعم أحد المهندسين الموجودين في المكان كلام الجار، مشيراً إلى مخلفات المبنى التي تشبه الرمل، ليس بينها قضبان حديد كافية لصمود مبنى من سبع طبقات. في حين اتهم صاحب محل البقالة في أحد المبنيين المجاورين اللذين أخليا ليلاً «المتعهد الذي أشرف على تشييد المبنى الجديد الملاصق للمبنى المنهار بأنه لم يراعِ الأصول خلال عمليات الحفر وبأنه كشف أسس المبنى المنهار». غير أن أياً من الأسباب لم يتم تأكيده بانتظار التحقيقات التي بوشرت، في ظل ما كشفه ناجون وجيران عن أن مالك المبنى طلب من القاطنين مغادرته قبل أقل من نصف ساعة من انهياره، محذراً إياهم من خطورة المبيت فيه، وأن عدداً من الضحايا سقط بينما كان يحاول الدخول إلى المبنى لنقل أقاربه المسنين أو المقتنيات الثمينة فانهار الأخير قبل أن يتمكنوا من مغادرته إلى منزل آخر ليس متوافراً لمعظمهم، أو إلى بيوت أقارب وأصدقاء. أحاديث الناجين وتحدث الناجون الذين نقلوا إلى المستشفيات المجاورة عن اللحظات التي سبقت الانهيار. وقال ألبير يزبك إنه يقطن منذ 40 عاماً في الطبقة السادسة من المبنى الذي اشتراه أخيراً الخياط ميشال سعادة وشقيقه، ولم يتقاضَ أي إيجار في السنوات الثلاث الأخيرة. وحمّل صاحب المبنى المسؤولية «لأنه كان يعرف أن المبنى متصدع، لكنه قال خليهم يموتوا. كان يريدنا أن نخلي المبنى من دون أن يدفع لنا». وروى يزبك كيف أنه شعر فجأة بشيء يهبط «وصرت أصرخ ورجلاي عالقتان بين الحجارة قبل أن ينقذني عناصر الصليب الأحمر». وحملت عايدة عبدالكريم القابعة في المستشفى مع حفيديها أنطونيلّا وأنطوني في انتظار معرفة مصير حفيدتها الثالثة آن ماري، على صاحب المبنى، وقالت: «ليلة الميلاد سمعنا صوت انفجار أحد أعمدة المبنى (قال آخرون إن المالك رممه لاحقاً). جاء المالك بعد ثلاثة أيام وقال الوضع سيكون مخيفاً من الآن وصاعداً». وأكد رئيس بلدية بيروت بلال حمد ل «الحياة» أن مسؤولية أي بناء فيه تصدعات أو تشققات وفق قانون البناء تقع على المالك. وأشار إلى أن البلدية ليست شركة هندسية تملك مختصين بالترميم والتدعيم. لكن، «إذا تلقينا شكوى من أحد القاطنين، عن تشققات نقوم بالكشف الفني ونوجه إنذاراً إما بإخلاء المبنى وإما بالترميم»، لافتاً إلى أن المجلس البلدي يدرس الطرق الكفيلة بوضع اليد على الأبنية القديمة التي شيدت قبل عام 1970 لمعرفة أوضاعها. في وقت واصلت بلدية بيروت اجتماعاتها مع المعنيين لبحث الخطوات المقبلة. وكان حمد تلقى اتصالاً من الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري مساء أول من أمس أبدى خلاله أسفه لسقوط الضحايا والجرحى. كما اتصل الحريري بعدد من نواب بيروت، داعياً إلى «التحرك بسرعة ومواكبة عمليات إنقاذ المحتجزين». ميقاتي يعوض على المتضررين وفي سياق معالجة تداعيات الحادثة، أصدر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمس قراراً بتشكيل لجنة لإجراء التحقيق اللازم لتبيان الأسباب التي أدت إلى انهيار المبنى، وتقديم الاقتراحات في شأن وضعية الأبنية القديمة التي قد تكون معرضة للانهيار والتي يمكن أن تشكل خطراً على السلامة العامة، على أن ترفع تقريرها خلال مهلة 15 يوماً. وأعلن الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة العميد إبراهيم بشير أن «مجلس الوزراء بناء على توجيهات رئيسه قرر التعويض على المتضررين من انهيار المبنى، وعلى السيارات المتضررة، وتأمين مأوى لجميع العائلات عبر استئجار مساكن للعائلات المتضررة». وكلف وزير الأشغال العامة غازي العريضي التنظيم المدني إعداد تقرير تفصيلي عن الحادث. وبحثت لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه في جلسة استثنائية عقدتها عصر أمس برئاسة النائب محمد قباني موضوع انهيار المبنى وتدابير السلامة العامة المطلوبة. وطالب قباني بإنشاء هيئة إدارة الكوارث في لبنان، واصفاً الهيئة العليا للإغاثة بأنها «هيئة دفن الموتى، وتعطي شيكات لمن ماتوا». وأشار إلى «مراسيم موجودة إلا أنها لم تطبق من سبع سنوات، وتقول بوجوب وجود مكاتب تدقيق للمباني الجديدة، لكنها لم تُنشأ منذ سبع سنوات حتى الآن». ورأى أن «المهم اليوم هو الأبنية القديمة، وإذا حصل زلزال فإن 20 في المئة من أبنية بيروت ستنهار». كما عقد نواب بيروت اجتماعاً في مكتبهم في المجلس النيابي لبحث الموضوع. توقيف صاحب المبنى وأكد وزير الداخلية مروان شربل ل «صوت لبنان» أن المبنى المنهار «يفتقد الأساس وهو أشبه بعلبة كرتون إذ لم نعثر على آثار للحديد المستخدم عادة في الأبنية». وكشف عن توقيف صاحب المبنى، وقال إنه رهن التحقيق في الفصيلة المعنية، طالباً من المواطنين مساعدة الدولة والبلديات عبر تقديم الطلبات للكشف على المباني القديمة والتي عمرها ما بين أربعين وخمسين عاماً. وكان عدد من السياسيين تفقد المبنى المنهار ليل أول من أمس، وشدد رئيس الجمهورية ميشال سليمان من الأشرفية على أهمية «إجراء كشف دوري على الأبنية، لا سيما القديمة منها ضمن نطاق البلديات واتخاذ الإجراءات الكفيلة لحماية ساكنيها»، معلناً أنه سيتم التشدد في إجراءات المراقبة.