في اليوم الثاني من التصعيد ضد قطاع غزة، تواصل القصف المتبادل بين إسرائيل وحركة «حماس» واشتدت وتيرته، وتسبب بحالة هلع في المجتمع الإسرائيلي وأكثر من 50 شهيداً والكثير من الدمار في القطاع خلال 48 ساعة. وفيما جددت واشنطن دعوتها كل الأطراف إلى تهدئة التوتر، مؤكدة في الوقت نفسه حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، بدأت تحركات على مستوى مجلس الأمن والوساطة المصرية بهدف استعادة التهدئة التي ربطها رئيس المكتب السياسي ل «حماس» خالد مشعل ب «وقف العدوان ورفع الحصار عن غزة». (للمزيد) وفي أخطر التطورات الميدانية مساء أمس، قال ناطق عسكري إسرائيلي إن ناشطين من غزة أطلقوا ثلاثة صواريخ تجاه مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي من دون أن تقع أضرار أو إصابات. وكتب الجيش في صفحته الرسمية على موقع «تويتر»: «قبل دقائق، وقع صاروخان في مناطق مفتوحة بينما اعترضت منظومة القبة الحديد الآخر». وعلى رغم التطور النوعي في سلاح المقاومة الفلسطينية والذي تبدى في المعارك، خصوصاً استخدام صواريخ من طراز «جيه 80» و»آر 160» و»إم 302» سوري الصنع، و»براق 70»، ثم اتساع مدى هذه الصواريخ ووصولها للمرة الأولى إلى قيساريا والقدس وجنوب حيفا والخضيرة. وعلى رغم استهداف إسرائيل منازل المدنيين وقتل أكثر من 50 فلسطينياً، وإطلاق مئات الصواريخ وشن أكثر من 500 غارة على غزة، ثم قرار الحكومة الإسرائيلية توسيع عملياتها لتشمل البنى التحتية ل «حماس» وناشطيها، إلا أنه بدا أمس أن المواجهة الدائرة ما زالت في إطار رسائل الردع، خصوصاً أن صواريخ المقاومة لم تتسبب بأي أذى حقيقي لإسرائيل من سقوط قتلى أو أضرار فادحة، كما رأى معلقون عسكريون إسرائيليون أن التصعيد يهدف إلى التفاهم مع «حماس» لا تصفيتها، وأن العمل العسكري «منضبط». في هذا الصدد، قال ديبلوماسي غربي ل «الحياة» إن رئيس الحكومة بنيامين «نتانياهو لا يريد إضعاف حماس أو الجهاد والقضاء عليهما تحسباً لفوضى في القطاع، لكنه لا يريد أن تصل قوة حماس الى درجة تهدد إسرائيل». وبعد 48 ساعة على التصعيد، بدأ الحديث عن التهدئة وبثت فضائية «الأقصى» في غزة خطاباً لمشعل المقيم في الدوحة، ربط فيه التهدئة بوقف العدوان الإسرائيلي وإطلاق الأسرى ورفع الحصار عن غزة. وقال: «هذا عدوان فرضه نتانياهو علينا. ليوقف عدوانه، وليوقف الهدم والقتل أولاً». ووضع شروطه للتهدئة، قائلاً: «شعبنا لم يعد يطيق أن يبقى تحت الاحتلال واستمرار اعتقال ستة آلاف أسير... ولا يقبل الحصار على غزة». وتابع أنه مع بدء العملية العسكرية «تقاطرت علينا اتصالات من جهات عدة، منها أوروبية، تطلب التهدئة». ووضع رد «حماس» على العدوان في إطار الدفاع عن النفس، قائلاً: «نحن لا نهدد، لكن من حقنا أن ندافع عن أنفسنا»، مضيفاً: «سنخوض واجبنا في الدفاع في كل لحظة عن أرضنا حتى لو وقفنا وحدنا». وفي واشنطن، تحوّل أركان الإدارة الأميركية من الحديث عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، إلى التحذير من خطورة الواقع السياسي وضرورة إنعاش عملية السلام. وقال الرئيس باراك أوباما في مقال في صحيفة «دي ستايت» الألمانية امس إن على الإسرائيليين والفلسطينيين «تقبل مخاطر السلام»، وضبط النفس في الصراع المتصاعد بينهما وعدم التصرف بطريقة انتقامية. وكتب: «في وقت الخطر كهذا، يجب أن يحمي الجميع الأبرياء ويتصرف بطريقة عقلانية ومحسوبة وليس بطريقة انتقامية وثأرية». وأضاف: «يجب أن يكون الجانبان على استعداد لتقبل مخاطر السلام». وجاء كلام أوباما في وقت وجه مستشاره في البيت الأبيض فيل غوردون انتقادات الى الحكومة الاسرائيلية، وقال في مؤتمر في القدس: «على إسرائيل ألا تأخذ فرصة التفاوض بشكل مجاني ولا شريك السلام الرئيس محمود عباس». واعتبر أن الدولة العبرية تواجه «واقعاً لا يمكن إنكاره: فهي لا يمكن أن تستمر بالسيطرة عسكرياً على شعب آخر إلى ما لا نهاية لأن ذلك ليس فقط خطأ بل يولّد الاحتقان وعدم الاستقرار». وأضاف في المؤتمر السنوي لصحيفة «هآرتس» أن الاحتلال «يقوي المتطرفين من الجانبين، ويمزق النسيج الديموقراطي الإسرائيلي ويغذي الحقد». وفيما أكد أن التزام واشنطن بدعم إسرائيل هو أقوى من أي يوم مضى، قال إن من حق الإدارة أن تتساءل: «كيف يمكن لإسرائيل أن تبقى ديموقراطية ويهودية إذا استمرت في حكم ملايين الفلسطينيين العرب الذين يعيشون في الضفة الغربية؟ كيف ستنعم بالسلام وهي لم ترسم حدودها أو تنهي الاحتلال وتسمح للفلسطينيين بالسيادة والأمن والسلام؟ وكيف ستمنع دولاً أخرى من دعم الفلسطينيين في المحافل الدولية اذا لم تلتزم السلام؟». وعلى خلفية أصوات القصف والدمار، بدأت تحركات لاستعادة التهدئة، إذ أعلن الرئيس محمود عباس في مستهل اجتماع للقيادة الفلسطينية في رام الله أنه طلب من الرئيس عبد الفتاح السيسي إعادة تفعيل اتفاق التهدئة الذي تم التوصل إليه برعاية مصرية عام 2012. وقال إن «ما يحدث من قتل لعائلات بأكملها (في غزة) هو إبادة جماعية تمارسها إسرائيل بحق شعبنا الفلسطيني». والتقى وفد يضم السفير السعودي لدى الأممالمتحدة عبدالله المعلمي، والسفير الإيراني بصفته رئيس حركة عدم الانحياز، والسفير الكويتي رئيس المجموعة العربية ومندوب فلسطين رياض منصور، مع رئيس مجلس الأمن في نيويورك «للتشاور معه في عقد جلسة علنية لمجلس الأمن، أو تقديم موعد جلسة الشرق الأوسط الشهرية».وقال السفير السعودي: «لا نؤيد إطلاق الصواريخ، لكن لا يمكن النظر إلى ذلك بمعزل عما يحدث في الأراضي المحتلة. لا بد من النظر إلى الموضوع بكامله، وهو أن الاحتلال مستمر، وحصار غزة مستمر».