على رغم معارضة «طالبان» المبدئية لتنظيم انتخابات في ظل وجود القوات الأجنبية، فتحت الحركة قنوات اتصال مع المرشح البشتوني اشرف غاني، لمواجهة احتمال وصول منافسه الطاجيكي عبدالله عبدالله إلى الرئاسة الأفغانية. وأبلغت مصادر مطلعة «الحياة» أن الاتصالات بين الحركة وغاني الخبير السابق في البنك الدولي، جرت على صعيد فاعليات مناطقية وقبلية، وأتاحت له الحصول على مليون صوت على الأقل، مكنته من الفوز في الجولة الثانية للانتخابات، الأمر الذي أثار عبدالله الذي كان يأمل بالحفاظ على مكاسب حققها في الجولة الأولى. وفي وقت تنصب الجهود الدولية على إيجاد مخرج مقبول لأزمة الانتخابات الأفغانية، حذر الرئيس باراك أوباما بعد اتصاله بالمرشحين من أن «اندلاع أعمال عنف أو اتخاذ إجراءات غير دستورية تضع حداً للمساعدات الأميركية لأفغانستان». ترافق ذلك مع إعلان الأممالمتحدة، في تقريرها نصف السنوي حول ضحايا النزاع الأفغاني، ارتفاع عدد القتلى والجرحى المدنيين بنسبة 24 في المئة قبل ستة اشهر من انسحاب قوات الحلف الأطلسي (ناتو) من هذا البلد. ويتمثل الرد الرسمي على تأكيد عبدالله حصول تزوير، عبر إضافة اللجنة الانتخابية مليون صوت لحساب غاني خلال عملية الفرز، في أن النتائج المعلنة غير نهائية وتنتظر التدقيق في الطعون والشكاوى من الطرفين. لكن النزاع والجدل حول النتائج أطاحا الانتخابات وقيمتها المعنوية للشعب، وجعلاها مهزلة بعد 13 سنة من إطاحة نظام «طالبان»، وإقرار نظام جمهوري تعددي الأحزاب، ما يقلل هيبة السلطة الجديدة. ويتخوف أفغان كثيرون من عودة الحرب الأهلية التي نشبت غالبيتها على أسس عرقية في العقد الأخير من القرن العشرين، فعبدالله يستند إلى عرقية الطاجيك المدعومة من إيران والهند وروسيا، والتي بنى أقطابها مع انفراط عقد تحالف الشمال العسكري الذي كان مناوئاً ل «طالبان»، قوة عسكرية بأموال أميركية ودعم دولي من خلال الجيش الأفغاني والأجهزة الأمنية التي يسيطرون عليها مع زعماء أقليات قومية أخرى، بينما تتمثل قوة البشتون بأنهم العرقية الأكبر في أفغانستان وحكامها منذ ثلاثة قرون، وهم الذين وحدوا البلاد وحافظوا عليها. ولا يملك غاني ارتباطات حزبية قوية في أفغانستان، عكس عبدالله، الذي يتبنى أيضاً سياسات قد تعرقل خطط واشنطن وعلاقاتها في المنطقة، أهمها العلاقة المتردية مع إسلام آباد. لكن ما يمنع الانزلاق إلى حرب أهلية في المعادلة الإقليمية هو انشغال باكستان داخلياً بمواجهة الجماعات المسلحة، في مقابل انشغال إيران بالوضعين العراقي والسوري، علماً بأن الجارين اعتبرا أشد المتنافسين على الحلبة الأفغانية، ودعم كل منهما فصيلاً أو قومية أفغانية. وفي ظل النزاع الرئاسي، تبدو «طالبان» الرابح الأكبر داخلياً، بعدما استغلت «عمليات الربيع» هذه السنة لتعزيز وجودها في ولاية هلمند (جنوب)، والسيطرة على أجزاء من ولاية كابيسا (شمال شرق)، في وقت باشرت القوات الأجنبية عملياً انسحابها النهائي من أفغانستان، من دون إبرام اتفاق بين كابولوواشنطن لإبقاء قواعد أميركية في أفغانستان بعد الانسحاب المقرر نهاية هذا العام. معلوم أن دولاً في المنطقة ترفض وجوداً أميركياً طويل المدى في أفغانستان، وبينها الصين، التي تخشى أن يحد هذا الوجود من نفوذها وتمددها في آسيا. كما أن العلاقات الأميركية- الروسية في أسوأ حالاتها الآن.