لم تخف الدكتورة رتيبة الحفني، تلك المرأة التي ارتبط اسمها بالموسيقى العربية وبإنجازات «المرة الأولى» في مصر والعالم العربي والتي تربت في كنف الموسيقي العربي الكبير محمد القصبجي الذي علّمها العود، لم تخف حماستها لكوننا، أنا وزميلتي في احدى الصحف المحلية الاماراتية من فئة النساء. فالنساء اكتسحن برأيها الإعلام العربي. وهي تشجع وتفرح لكل حضور نسوي ولكل إنجازات نسوية في العالم العربي، ومنها فرحتها بانتخابها للدورة الرابعة على التوالي عميدة لمجمع الموسيقى العربية التابع لجامعة الدول العربية، إضافة إلى كل القائمة الطويلة لإنجازاتها ومسؤولياتها في مجال الموسيقى العربية والأوبرا العربية، إذ كانت أول مغنية أوبرا في العالم العربي، وأول مديرة لدار الاوبرا المصرية وأول من أدخل دراسة الموسيقى الى المناهج المصرية، كما تتولى منذ زمن منصب عميدة معهد الموسيقى العربية في القاهرة... التقيناها في أبو ظبي، وراء كواليس المسرح في مقر «هيئة ابو ظبي للثقافة والتراث»، في الحفلة الموسيقية التي أشرفت شخصياً عليها، كونها المشرفة والمؤسسة أيضاً لمجموعة الحفني للموسيقى العربية (التي أسست تكريماً لوالد الدكتورة رتيبة محمود أحمد الحفني) والذي قدم سهرة موسيقية في اطار فعاليات «ليالي أمير الشعراء» التي تنظمها «هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث»، حيث تقيم كل اسبوع حفلة مستقلة لضيوف برنامج «أمير الشعراء» من الفنانين والموسيقيين العرب. فالحفني هنا إذاً لتشرف على حفلة لمجموعة الحفني التي قدمت مجموعة من الموسيقى العربية التراثية ومن أغاني عبدالوهاب، سيد مكاوي، كارم محمود وغيرهم، بقيادة المايسترو ماجد سرور. ولكن المشرفة الثانية والمباشرة عملياً، كما تقول الحفني هي ابنتها (التي تختلف عنها شكلاً بسبب نقابها التقليدي المصري)، ولكنها كما قالت الدكتورة رتيبة تكمل مشوارها وتتحمل عملياً كامل المسؤولية عن مجموعة الحفني، في ما يشبه «توريث الموسيقى» في هذه العائلة التي تمتد فيها الموسيقى عميقاً، إذ ان صوت رتيبة الاوبرالي الذي أطلقها في العالم، ورثته عن جدتها لأمها (الالمانية الجنسية) التي كانت مغنية أوبرا وورثت الموسيقى من والدها أيضاً الذي كان واحداً من رواد الموسيقى العربية، وله أكثر من 45 كتاباً في الموسيقى العربية. الحفني، التي ملأت الاوبرا والموسيقى العربية حياتها، تعتبر ان المشكلة اليوم تكمن في الإعلام العربي، فقديماً «كانت لنا (الفنانون) سيطرة على القنوات، أما اليوم فالمسيطرون على القنوات كلهم تجار». وتشرح ان الجيل الاول من العاملين في التلفزيون أتوا من الإذاعات وهؤلاء كانوا بعامة على علاقة بالثقافة، أو مذيعين في حقل الثقافة. ثم إن من كان يعمل في الفن قديماً، كان يدرس ويعمل، ويقيم بين العشرين والثلاثين بروفة للعمل الواحد ليبقى خالداً، فيما يعملون اليوم للحظة، في شكل سريع، لا أحد يحاسب برأيها أحداً على الاعمال الموسيقية، لا أحد يسعى ويدرس جدياً، إنه شغل على الكومبيوتر والانتاج السريع... وعلى رغم إعجابها بفن الفيديو كليب، فإنها ضد جعل الأفلام القديمة خلفية لأعمال الفيديو كليب الجديد، فأولئك كانوا يعملون طويلاً وبكل اخلاص لإنتاج أفلامهم ليأتي من يضعها خلفية، ثم ان على الفيديو كليب أن تكون له قصة ما برأيها، ان يكون نوعاً من فيلم قصير، لا ان يقوم فقط على بعض لقطات رقص وغيرها. أما الأوبرا التي تشرف اليوم على مركز تنمية المواهب فيها، فبات لها جمهور أوسع برأيها، بعدما كانت سابقاً فناً غريباً كان يصفه الناس بأنه فن «اللي بيصرخوا»، وبدأت غالبية الدول العربية تفكر في انشاء فرق خاصة بالاوبرا، (عدا مصر) مثل سورية ولبنان ودبي... وعند السؤال: «ولكن يبدو عملياً ان الاوبرا العربية ما زالت حتى الآن مصرية؟»، تقول: «المشكلة ان الأوبرا فن مكلف، يستوجب التفرغ من اجل النص والتلحين، ونحن للأسف في عصر نبحث فيه عن المال، إلا اذا كفلت الدولة وقدمت ما يكفي من الأموال لذلك. إلا ان العناصر موجودة من ملحنين وكتاب ومؤدين...». وتلفت إلى ضرورة اعادة كتابة ما نملك من أوبرا لتتناسب مع العصر، وهذا ما يحصل حالياً في الغرب. فالاوبرات القديمة العظيمة لسيد درويش وداوود حسني وغيرهما ما عادت تتناسب مع موضوع هذا العصر وعقليته، فعلينا الاحتفاظ بالألحان العظيمة لهؤلاء، ولكن مع اعادة كتابة. أما عن المجمع العربي الذي تشغل فيه منذ زمن مسؤولية عمادته، فتقول انه يعمل ليس فقط في مجال الموسيقى ذاتها، ولكن أيضاً التربية الموسيقية والثقافة الموسيقية، حيث يقيم أبحاثاً عن انواع الموسيقى مثل الخليجية والمغربية وغيرها، ثم يجمعها ويقدمها في كتب بحثية. ولكن، هل يمكن وصف واقع المجمع العربي بأنه أفضل من واقع الجامعة العربية؟ تبتسم الحفني، وتقول ان المجمع يلقى كل الدعم من الجامعة ومن أمينها العام عمرو موسى الذي وصفته بعاشق الموسيقى بما في ذلك الدعم المالي، فالدول التي كانت قد حجبت مشاركاتها المالية، لأسباب سياسية عن المجمع العربي، بسبب خلافاتها مع الجامعة العربية، كما قالت لنا، عادت لتدفع مشاركاتها في شكل دوري.