للدخول في عمق روح «منتدى الابتكار» الذي نظّمته المفوضية الأوروبية في ختام السنة المنصرمة، تكفي متابعة مصمّمة الأزياء فيفيان ويستوود بشعرها البرتقالي اللون، التي كانت تسأل كزو لان، وهو أستاذ صيني في ميدان الأعمال، وأوليفييه أوليه، وهو عالِم اجتماع فرنسي ومستشار في الحكومة الفرنسية، حول الطريقة الأفضل لمعالجة مشكلة تغيّر المناخ. وأخبرت ويستوود جمهور هذا المنتدى أنّ مقاربتها الخاصة للبيئة، ترتكز على التبرّع بالمال للمنظمات الخيرية، إضافة إلى حضّ صديقتيها نعومي كامبل وكيت موس، على دعم هذه القضية. وأشارت ويستوود إلى أنّ الحكومات لا تبذل جهوداً كبيرة لحماية البيئة، بل تكتفي بإعطاء وعود بالتحرّك. ديناميكية أوروبية بمدى عالمي في المنتدى عينه، نصح مايكل أولاري المدير التنفيذي في شركة «ميركوريال ريانير»، روّاد الأعمال بالابتعاد عن مدينة بروكسيل (مقر المفوضية الأوروبية) إذا أرادوا إنجاز عمل ابتكاري. حمل كلام أولاري تنديداً ضمنياً بالبيروقراطية المترهلة السائدة في المفوضية الأوروبية. وفي المنتدى، بذلت ماري جوجهيجان– كوين، وهي المفوّضة الأوروبية لشؤون البحث والابتكار والعلوم، مجهوداً لمحو هذه الصورة من الأذهان. وقد عُقِد المنتدى عقب إطلاق مشروع «هورايزون 2020» Horizon 2020 الذي يقترح على دول الاتحاد الأوروبي استثمار 80 بليون يورو في العلوم. وسعى إلى الإضاءة على طموحات المفوضية الأوروبية في صدد تحويل البحوث إلى سلع وخدمات قيّمة من شأنها إنقاذ مستقبل أوروبا إقتصادياً. كذلك سعى هذا الحدث إلى كسر الصورة الجامدة عن أوروبا في السياسة والعلوم، واستبدالها بصورة تتميّز بديناميكية تتحرك على نطاق دولي، وتعتمد الابتكار والنجاح. وشملت لائحة المتكلمين في المنتدى مديرين تنفيذيين بارزين من شركات بارزة في ميدان الابتكار مثل «غوغل» (في الإنترنت) و «مايكروسوفت» (الكومبيوتر والمعلوماتية) و «غلاكسو سميث كلاين» (في الأدوية). كما تضمّن مداخلة للكاتب المُلحد ريتشارد داوكينز، وهو اختصاصي في علوم البيولوجيا والجينات، ومارغاريت تشان المديرة العامة ل «منظمة الصحة العالمية». وحضر أيضاً لفيف من العلماء، ضمنهم أندريه جيم الحائز جائزة نوبل للفيزياء، إلا أنهم بدوا تائهين وسط مجموعة روّاد الأعمال. وافتتح المنتدى خوسيه مانويل باروسو، رئيس المفوضية الأوروبية بخطاب كرّر فيه دعمه الابتكار كسبيل للخروج من أزمة الاقتصاد العالمي. وأشاد ب «المعهد الأوروبي للابتكار والتكنولوجيا» واصفاً إياه ب «المشروع العزيز على قلبي»، وفق كلمات باروسو. كما أعلن تعيين آن غلافر مستشاراً خاصاً له في ميدان العلوم. وقال: «تقليص الاستثمار في البحوث والتعليم خلال أزمة اليورو الحالية هو قرار خاطئ، بل انه الطريق الأقصر لتقليص النمو وتلاشي الوظائف في المستقبل». وأقرت جوجهيجان– كوين بأنّ المنتدى سياسي معتبرة أنّ الأولويات الثلاث بالنسبة إلى أوروبا يجب أن تكون «النمو والنمو والمزيد من النمو»، وفق كلماتها. وتابعت قائلة: «السبيل لبلوغ ذلك يكون من خلال الاستثمار في البحث والابتكار، والاستثمار في البحث والابتكار، والاستثمار في البحث والابتكار». واعتبرت أن هذه الرسالة موجّهة إلى الاتحاد الأوروبي الذي يتوجب عليه الحسم في مسألة تمويل مشروع «هورايزون 2020» بال80 بليون يورو التي اقترحتها جوجهيجان– كوين. وحفل «منتدى الابتكار» بمنتجات متطوّرة ومثيرة، قدّمتها شركات دولية بتمويل من البرامج الإطارية التي سبقت مشروع «هورايزون 2020». برز بين هذه المنتجات رجل آلي (روبوت) ذكي أصفر اللون، يقدر على اللحاق بشخص عجوز لتذكيره بأنه نسي محفظته مثلاً. وناقش باحثون جلسوا تحت بالون على شكل سمكة قرش ممتلئ بغاز الهيليوم، موضوع سمك التونة الأزرق الزعانف، الذي يواجه خطر الانقراض، مستعرضين الجهود التي تبذلها شركة مموّلة من الاتحاد الأوروبي من أجل تجديد دورة حياة هذه التونة وحضّها على التكاثر في مزارع بحرية إصطناعية متخصّصة. الشهادات العليا للشباب وبدت الخيارات في المنتدى غير محدودة، لكن شعوراً بالقلق ساده، إذ يبدو الابتكار في أوروبا متأخراً جداً عن بعض البلدان مثل الولاياتالمتحدة والصين وكوريا الجنوبية. كما يفتقر إلى حماسة الشباب. وأشار باروسو في خطابه إلى أنّ أكثر من نصف المبتكرين في الولاياتالمتحدة هم في الثلاثين من العمر، بالمقارنة مع نسبة 20 في المئة لنظرائهم في أوروبا، معتبراً أنّ الأخيرة متأخرة عن الولاياتالمتحدة واليابان على صعيد نسبة الشباب الحائزين على شهادات عليا. وأضاف: «نحن السوق الأكبر عالمياً، إلا أننا لا نزال منقسمين ولا نعتمد على الإبتكار». وأخبرت رئيسة قسم البحوث والإستراتيجية في شركة «مايكروسوفت» كريغ موندي، ماري جوجهيجان– كوين بأنه ينبغي تأهيل الصغار على التكنولوجيا في سن مبكرة من أجل تغيير هذا الواقع. جاء حديثهما أثناء تجربتهما خدمة «آفاتار كونكت» التي أطلقتها «مايكروسوفت». وحمّل إيريك شميدت الرئيس التنفيذي في شركة «غوغل»، مسؤولية هذا التأخّر ل «تشاؤم» أوروبا المستمر وعادتها في «التذمر دائماً»، بدلاً من معالجة الأمور. ولا شكّ في أن ثمة عقبات أخرى أيضاً. إذ يضمّ الاتحاد الأوروبي 27 بلداً تشهد أوضاعاً اقتصادية متفاوتة جداً، كما تملك مجموعة من الأولويات المختلفة، ما يطرح صعوبة عند إرساء إستراتيجية مركزية لها. ولفت ليزيك بوريسيويتش نائب رئيس جامعة كامبردج في المملكة المتحدة، إلى ضرورة الانتظار لرؤية الخيارات التي قد تواجه مشروع «هورايزون 2020». وقال: «لقد حاول السياسيون الأوروبيون نقل البحث والابتكار إلى المناطق الأكثر فقراً في القارة بهدف إنشاء فرص عمل فيها، إلا أن من غير المرجح أن تنجح هذه الإستراتيجية... إن لم نحدّد أولوياتنا جيّداً، فقد تذهب 80 بليون يورو هباءً».