الحاجة أم الاختراع، والبلطجة أم الابتكار، والفلتان الأمني أبو الإبداع! كثرة الأسباب والفجوات في مصر بعد ثورة يناير، أنشأت حاجات عدة للمصريين دفعت البعض إلى الإبداع والابتكار لسدها وتحقيق مكاسب مادية. وبسرعة، تنوّعت مصادر اقتناء وسائل الدفاع عن النفس التي كان المصريون يسمعون عنها في بلاد بعيدة تنتشر فيها العصابات وتعاني التوتر الأمني. ولأنها مازالت - أقلّه حتى الآن - تجارة غير شرعية، فقد انتشرت صفحات عدّة على «فايسبوك» تعلن عن «أحدث أنواع الصواعق الكهربائية»، والبضاعة جاهزة والتسليم فوري. ولدى أولئك أيضاً بخاخات الغاز الخانق، والفلفل الحارق، وغيرها من أدوات الدفاع عن النفس في وجه البلطجية الذين لا تغيب أخبار أنشطتهم يوماً عن صفحات الجرائد وبرامج ال «توك شو». ولأنها تجارة سريعة وتحقق مكاسب خيالية، نظراً إلى موسميتها وعدم شرعيتها، فقد دخلها كثيرون وإن على سبيل الهواية. سالي سيدة مصرية متزوجة من رجل أعمال يستورد منتجات جلود من حقائب وأحذية من الصين، ويصطحبها معه ليمكنها من شراء ما تحتاج إليه من ملابس وإكسسوارات، وللسياحة أيضاً. إلا أنها عادت من رحلتها الأخيرة وحقائبها متخمة بالصواعق والبخاخات الدفاعية. تقول سالي: «كل صديقاتي يبحثن عن هذه الصواعق ويصعب على بعضهن العثور عليها، ففكرت في شراء عدد منها وبيعها بعد إضافة هامش ربح بسيط، ونجحت الفكرة». فكرة أخرى نجحت، وهي ابتكار وصلة جديدة لجهاز إنذار السيارات ضد السرقة، وبطلها ميكانيكي سيارات في حي شبرا الشعبي في شمال القاهرة. يعتمد النظام الجديد على فكرة التمويه، إذ غُيّرت وصلات الجهاز التي يحفظ أماكنها عن ظهر قلب «اختصاصيو» سرقة السيارات، بما يجعل محاولة إيقاف عمل الجهاز قبل السرقة فاشلة حتماً. الظاهرة ظاهرة سرقة السيارات تحوّلت إلى سمة من سمات الحياة اليومية، وإلى طرفة يتداولها الجميع، فبعد تبادل التحية والسؤال عن الصحة، يسأل الأصدقاء بعضهم بعضاً «سيارتك سرقت ولا لسه؟»، أو «لو عندك اختيار تحب سيارتك تسرق أم تنهب محتوياتها فقط؟». دفعت هذه الظاهرة مجموعة من اختصاصيي ميكانيك السيارات إلى الخروج بمنتج جديد أكثر تطوراً من مجرد إخفاء وصلة جهاز الإنذار، وهو جهاز يمكِّن صاحبه من التحكم في السيارة من أي مكان في العالم. ويتمتع الجهاز بالقدرة على فتح أبواب السيارة وغلقها، وتشغيل المحرك ووقفه. وفي حالة محاولة السرقة يتصل الجهاز بصاحب السيارة، وحتى في حال سرقتها بالفعل، يمكن صاحبها الاتصال بها وتحديد موقعها. ليس هذا فقط، بل يسجل الجهاز كل ما يحدث في السيارة أثناء السرقة. سرقات من نوع آخر ذاع صيتها أخيراً وفتحت أيضاً باب نوع مستجد من ال «بيزنس». سيارات النقل المحملة أطناناً من مواد البناء وغيرها تتعرض أحياناً ل «غارات» يشنّها بلطجية على الطرق السريعة، خصوصاً ليلاً، ما دفع أصحاب تلك الحمولات إما إلى الاستعانة بشركات مختصة بتأمين السيارات ضماناً لنقل الحمولة، أو إلى تخيير العميل إما بالتكفل بنقل البضاعة بنفسه أو إضافة قيمة التأمين على البضاعة، لا سيما الأخشاب والحديد. ولأن فكرة التسلّح ليست واردة أو مقبولة لدى غالبية المصريين، فقد لعبت شركات وأعمال أخرى على هذا الوتر. ومن هنا ظهر عدد من الشركات المؤسسة حديثاً للقيام بمهمة النقل نيابة عن أصحابها في مقابل مادي. وتملأ إعلانات هذه الشركات الأماكن التي يرتادها العملاء المستهدفون، أو بمعنى أدق القادرون مادياً على الاستعانة بمن ينوب عنهم في «مشاويرهم». فثمة شركة مثلاً، تعدُ أعضاء النوادي الرياضية الراقية بإيصال طلباتهم، سواء كانت خضراً وفواكه أو مستندات مهمة، أو حتى حقيبة ملابس مرسلة. وهناك شركة تؤكد عبر إعلانها الضخم المثبت أعلى «كوبري 6 أكتوبر» سرعة القيام بمشاوير العملاء في أي منطقة في القاهرة الكبرى. وفي القاهرة الكبرى وعدد من المدن المصرية، راج «بيزنس» الأبواب الحديد بشكل غير مسبوق، إلى درجة دفعت عدداً من الشباب من خريجي الجامعات العاطلين من العمل إلى الدخول إلى هذه المهنة التي كانت حتى وقت قريب حكراً على أبناء «الكار». وإضافة إلى إقبال أصحاب المحلات التجارية، لا سيما تلك التي كانت تكتفي بواجهات زجاجية، على تركيب واجهات حديد لحمايتها ومحتوياتها من عمليات السرقة، أو التكسير، الذي يحدث أحياناً ضمن التظاهرات والمليونيات والاعتصامات، يقبل كثيرون من سكان البنايات السكنية على تأمين شققهم بالطريقة نفسها. وظهرت الأبواب الحديد للمرة الأولى على أبواب الشقق السكنية الخشبية المعتادة، وكذلك على نوافذ الشقق الواقعة في الطوابق الأولى. وتعتبر غالبية المصريين رواج «بيزنس» الأمن بكل فروعه وتشعباته مرحلة موقتة، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بانتقال الثورة من مرحلة أدرينالين الثورة إلى دوبامين (هرمون السعادة) الاستقرار.