تشكل الأخطار السياسية والاجتماعية ما نسبته 50 في المئة من المؤشر المركب لقياس أخطار الاستثمار في أي بلد، سواء الاستثمار المباشر في الاقتصاد الحقيقي أو الاستثمار غير المباشر وفي مقدمه الاستثمار في أسواق المال. وبرزت الخسائر الجسيمة التي تعرضت لها سوق الأسهم المصرية والتي بلغت نحو 200 بليون جنيه مصري (33 بليون دولار) أو ما نسبته 50 في المئة من مؤشر السوق، وهي خسائر قياسية استثنائية نتجت من بيع عشوائي من قبل المستثمرين الأجانب والمصريين نتيجة عدم الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي في مصر خلال العام الماضي. وهكذا أصبحت تطورات الأوضاع السياسية المحرك الرئيس للبورصة المصرية سواء سلباً أم إيجاباً، إضافة إلى أن سيطرة حال من الترقب والحذر وتراجع الثقة وضبابية التوقعات، أدت إلى تراجع كبير في قيمة التداولات في السوق. وتأثرت سوق البحرين أيضاً بالأحداث السياسية في المملكة خلال العام الماضي فتراجع مؤشر السوق بنسبة 20 في المئة، وساهمت الأحداث السياسية والأمنية في سورية في تراجع مؤشر بورصة بيروت بنسبة 20 في المئة. ويؤثّر عدم الاستقرار السياسي عادة سلباً في أداء العديد من القطاعات الاقتصادية وبالتالي في أداء الشركات المساهمة العامة المرتبطة بهذه القطاعات فتتراجع أسعار أسهمها، كما أن عدم الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي في أي دولة يؤثر سلباً في التصنيفات الائتمانية الخاصة بها وباقتصادها وبمصارفها ما يرفع كلفة الديون ويضغط على سعر صرف العملة الوطنية. وتأثرت بورصات الأردن والكويت سلباً بالاحتجاجات وتغيير الحكومات في البلدين، وبلغت خسائر مؤشر سوق الكويت العام الماضي 16.4 في المئة بينما بلغت خسائر مؤشر سوق الأردن 15.7 في المئة. وساهم الاستقرار السياسي والأمني في تونس بعد الانتخابات البرلمانية وتشكيل حكومة وانتخاب رئيس للدولة في جعل خسائر مؤشر سوقها العام الماضي محدودة، فبلغت نسبتها 7.6 في المئة. وتزامنت الظروف السياسية الاستثنائية التي عمت المنطقة العام الماضي مع مشكلات اقتصادية ومالية ومصرفية عالمية تأتي في مقدمها مشكلة الديون السيادية الأوروبية التي أثرت سلباً في القطاع المصرفي الأوروبي وتسببت بخفض التصنيف الائتماني للعديد من الدول الأوروبية ومصارفها، كما أثرت سلباً في سعر صرف اليورو. وبرزت مخاوف من تأثير هذه الأزمات في أداء الاقتصاد العالمي وتعريضه إلى ركود أو تباطؤ، إضافة إلى التأثير السلبي لخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة. لا شك في أن هذه الظروف السياسية الإقليمية والمالية والاقتصادية والمصرفية السلبية العالمية أدت إلى تراجع كبير في قيمة التداولات في معظم بورصات المنطقة، فتراجعت قيمة التداولات في أسواق الإمارات بنسبة قياسية بلغت 60 في المئة مقارنة بعام 2010 نتيجة سيطرة حال من الحذر والترقب والخوف من الأخطار المختلفة، وخسرت القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة نحو 40 بليون درهم (11 بليون دولار). وخسر مؤشر سوق دبي المالي بنسبة 17 في المئة ومؤشر سوق أبو ظبي بنسبة 11.65 في المئة. وفي أسواق الأردن ومصر ولبنان ومسقط والبحرين والكويت تراجعت قيمة التداولات بنسب قياسية أيضاً، بينما حقق مؤشر سوق قطر نسبة ارتفاع متواضعة بلغت 1.12 في المئة، ليكون المؤشر الوحيد في المنطقة الذي ارتفع خلال العام الماضي. وارتفعت قيمة التداولات في قطر خلال العام الماضي بنسبة 24.3 في المئة. أما في السوق السعودية، وهي أكبر أسواق المنطقة، فبلغت نسبة النمو في قيمة التداولات نحو 40 في المئة، لكن مؤشر السوق تراجع بنسبة 3.1 في المئة. * مستشار لأسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»