تلعب الإشاعة دوراً مؤثراً في كثير من مجريات الأحداث المحلية والدولية، الحد الذي يدفع ببعض الدول إلى تبنيها والدفع بها على أنها حقيقة مسلمة. ولعل أبرز هذه الإشاعات ما نجحت فيه الإدارة المصرية وقت حرب تشرين أول (اكتوبر) 1973، حينما عمدت القوات المسلحة المصرية إلى توظيف صحفها اليومية لنشر إشاعات كاذبة تفيد بعدم استعداد الجيش المصري للعبور، إضافة إلى أنها أفردت على صدر الصفحة الأولى من صحيفة الأهرام القاهرية عنواناً عريضاً يفيد إرسال كبار قادة وضباط أفرع القوات المسلحة إلى المملكة لأداء فريضة العمرة، ما أعطى انطباعاً لدى الجانب الإسرائيلي، الذي كان يراقب عن كثب التطورات الحاصلة في الشارع المصري بأن المصريين لن يقوموا بأي هجوم مسلح ضد القوات الإسرائيلية التي كانت مرابطة على الضفة الغربية من قناة السويس، لكن فجأة وفي منتصف يوم السادس من تشرين أول (اكتوبر) 1973 انطلقت القوات الجوية المصرية نحو العمق الإسرائيلي متجاوزة كل الدفاعات الأرضية والجوية، لتسقط بذلك جداراً ظل يمثل حاجزاً نفسياً لدى العقيدة العسكرية المصرية منذ حزيران (يونيو) 1967. هذا التوظيف للإشاعة تجاوز في إيجابياته كل السلبيات التي قد توصم بها المجتمعات القائمة في تركيبتها الثقافية والاجتماعية على الطرافة، ولعل أهمها ما يسميه علماء الديموغرافية بالمجتمعات المتوسطية، التي تشمل الدول المطلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط كافة، ويمثلها من الجانب العربي اللبنانيين والمصريين، وما عرف عنهما من انتشار كبير للإشاعة بين مواطنيهم، ما يدفع بتوظيفها في إرسال رسائل معينة، الغرض منها في الأخير استكشاف رد فعل المجتمع تجاه امر معين. لكن تظل الإشاعة وعلى رغم تأثيراتها الإيجابية أحياناً كثيرة، عائقاً أمام تطور وتقدم المجتمعات، فعلى رغم نجاحها في الحالة المصرية، إلا أنها أثبتت في المقابل فشلاً ذريعاً لدى الجانب الإسرائيلي، الذي روج بطرق مختلفة أن قوته العسكرية لا يمكن تجاوزها أو قهرها، الحد الذي آمنت به قياداته للدرجة التي أصابتهم بكثير من الغرور، كانت أهم سلبياته الارتباك، وبالتالي الهزيمة فور بدء الحرب الفعلية. الحالة المصرية – الإسرائيلية، تشير إلى جانبين مختلفين من تأثير الإشاعة، أحدها يمثل الجانب الإيجابي، والآخر يمثل السلبي متجسداً في الحالة الإسرائيلية. وتوظيف الإشاعة ليس ابتكاراً يحسب لجهة أو لدولة بعينها، بل إنه توظيف ممتد وضارب في قصص التاريخ العسكري والسياسي العربي والإسلامي والدولي.