ليست الحرب، في المحصلة، مجرد «فشة خلق»، إنما هي حدث له حساباته المعقدة، وذلك نظراً للاستحقاقات الخطيرة التي ترتبها على الواقعين الاجتماعي والسياسي للدول. كما لا يقرر وقوعها، مقدار القوة المتراكم، لدى أطرافها، بالرغم من أهمية هذا المعطى في إدراك القادة العسكريين، إنما للحرب أبعاد أخرى، غالباً ما يتم الكشف عنها في المداولات المغلقة بين القادة السياسيين، وان جرى تخريج أسباب حدوث الحرب بذرائع تكون اقرب إلى فهم العامة، من نوع التصدي للخطر، ومواجهة أطماع الطرف الأخر. ويشير تاريخ الحروب الكبرى في الشرق الوسط، إلى أن هذه الأحداث، طالما كان وراءها دوافع عدة، لعل من بينها، وأميزها، دافع توظيف الحروب في إعادة هندسة الواقع الاجتماعي والسياسي في بلدان هذه المنطقة، وذلك بهدف ضبط آليات الحراك الاجتماعي ليتناسب وتوجهات النخب السائدة، أو اقله ليضمن إمكانية شرعنة سيطرتها على الواقع. ولعل حرب عام 1967، تصلح مثالا تفسيرياً لهذه المقاربة، فقد عمل الصراع الداخلي المحتدم في سورية، إلى دفع البلاد للحرب عنوة، بالرغم من إدراك القيادات العسكرية للضعف التقني واللوجستي للقوات المسلحة، وكل ذلك بهدف التخلص من النخب المدينية، وإنهاء تأثيرها الذي كان لا يزال موجوداً، في محاولة لإظهار عجزها عن الحفاظ على التراب الوطني. اما في مصر، فقد شكلت الحرب، محاولة من قبل النخبة العسكرية للهروب من واقع فشل مشروع الدولة، والذي غرق في الاستبداد والفساد، وتدهور الوضع الاقتصادي، وانهيار مشروع التنمية القائم على إستراتيجية إحلال الواردات التي أثبتت فشلها الذريع، وكل ذلك في ظل معارضة يسارية وليبرالية عملت على كشف أخطاء النظام المتراكمة. ولم تكن الأوضاع الاجتماعية على الجانب الإسرائيلي بأفضل حالا، فقد كانت إسرائيل تعيش إرهاصات صراع اليهود الشرقيين والغربيين، التي أخذت بالتمظهر عبر أنماط وصور عدة، وخاصة لدى يهود الدول العربية، الذين كانت خسارتهم واضحة، وامتيازاتهم قليلة، وكانت النخبة اليسارية الغربية، تسعى إلى تأكيد أحقيتها في قيادة الدولة الناشئة، وشكلت الحرب مخرجاً مثالياً للخروج من حالة الصراع تلك، فضلا عن تكريسها لسيطرة الجيل الثاني من اليساريين تلاميذ بن غوريون ووايزمان. وهكذا فقد شكلت حرب عام 1967، مخرجاً مهماً للأزمات التي كانت تعاني منها الأطراف جميعاً، كما أنها أسست لمرحلة، كان يمكن أن تدوم لولا حدوث متغيرات مفاجئة، مثل موت جمال عبد الناصر وسطوع نجم الثورة الفلسطينية ووضوح تأثيرها في ما سمي ببلدان الطوق، فضلا عن متغيرات البيئة الدولية في ظل الصراع القطبي في ذلك الوقت، مما كان له اثر واضح في حصول حرب تشرين (أكتوبر) 1973. أما في اللحظة الراهنة، فإن بيئة الشرق الأوسط، تفتقد لأية محفزات لنشوب حرب، نظراً لحالة الاستقرار السياسي والاجتماعي التي تعيشها بلدان المنطقة، بغض النظر عن طبيعة ونمط وظروف هذا الاستقرار. على الجانب السوري، ليس ثمة حراك اجتماعي – سياسي، يريد أن يبلور هويته، أو يرخ وجوده، ثمة سكون ملحوظ على الصعد، في بلد لم يتأثر كثيراً بالحراك العولمي الحاصل، نظراً لحالة الضعف الاقتصادي، وانعدام قدرة المكونات الاجتماعية في التأثير بالشأن العام، ناهيك عن الضغوط الخارجية التي تعرضت لها البلاد، وساهمت، بدرجة كبيرة، في إضعاف الحراك السياسي الذي شهدته سورية قبل ذلك بسنوات. وفي إسرائيل، وبالرغم من أن المجتمع الإسرائيلي، شهد تحولا خطيراً باتجاه اليمين، غير أن هذا التحول جرى ببطء، واخذ شكله واستقر نهائياً، حيث استطاعت العملية السياسية هضمه وإدراجه ضمن السياق الإسرائيلي بهدوء، يبقى ثمة حالة لا بد من الانتباه إليها في الواقع الإسرائيلي، وهي أوضاع اليهود الروس، الذين يحاول ليبرمان الزعم بأنه يعبر عنهم، إلا أن الواضح أن هذه الفئة لا تشكل بقعة زيت طائشة على سطح المجتمع الإسرائيلي، بل تم إدماجها ضمن التيارات المتعددة في إسرائيل. * كاتب فلسطيني