منذ بداية حرب لبنان تموز (يوليو) 2006، والهجوم الإسرائيلي على غزة في 27 كانون الأول (ديسمبر) 2008، وحتى اندلاع ما بات يعرف أخيراً بثورات الربيع العربي، والنفوذ الإيراني آخذ بالتصاعد، خصوصاً في منطقة الخليج، وبحسب محللين فإن إيران بدأت منذ ذلك الوقت في تبني سياسة خارجية تميل في شكل واضح إلى خلق حالة متعمدة من الضبابية حول موقفها تجاه كثير من قضايا المنطقة، وهو أسلوب قائم على تضارب تصاريح مسؤوليها منعاً، وبحسب المحللين إلى «عدم فهم النوايا الإيرانية الحقيقية». وعلى رغم هذا التوجه إلا أن قادة دول مجلس التعاون أكدوا في شكل حاسم في الدورة ال32 للقمة الخليجية التي عقدت أخيراً في الرياض على أنه لا تصعيد مع إيران، وأن دول الخليج لا نية لديها لخفض تمثيلها الديبلوماسي مع طهران. وأن دول المنطقة حريصة كل الحرص على علاقات جيدة مع إيران تميل إلى الاستقرار وليس التصعيد. ومع أن المتابعين للشأن الإيراني يكتشفون في تصريحات وزير خارجية طهران علي أكبر صالحي ميلاً إلى طمأنة دول المنطقة، والتأكيد على إقامة علاقات جوار حسنة مع الجميع، إلا أن تصريحات العسكريين الإيرانيين تنسف هذه الصورة، وتميل في كثير من الأحيان نحو التصعيد، وهو ما تابعه المهتمون طوال الأسبوع الماضي، إذ بدأت طهران في خلق حال توتر جديدة في المنطقة، خصوصاً بعد تهديدها بإغلاق مضيق هرمز، رداً على قرار وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي منذ ثلاثة أسابيع بتشديد العقوبات على خامس أكبر دولة مصدرة للنفط الخام في العالم بسبب تأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية محاولة طهران تصميم قنبلة نووية. وأعلن قائد البحرية الإيرانية حبيب الله سياري الذي يقود مناورات عسكرية في المنطقة تستغرق عشرة أيام لقناة (برس تي في) الإيرانية الأربعاء 28 كانون أول (ديسمبر) أن إغلاق طهران لمضيق هرمز أمام ناقلات النفط سيكون «أسهل من شربة ماء» إذا رأت الجمهورية الإسلامية ضرورة لذلك. وتابع قائلاً: «إن إغلاق القوات المسلحة الإيرانية مضيق هرمز سهل فعلاً، لكن في الوقت الحالي لسنا بحاجة لإغلاقه، لأن بحر عمان تحت سيطرتنا، ونستطيع أن نسيطر على الممر- بحسب قوله-. وكانت إيران حذرت يوم الثلثاء 27 كانون أول (ديسمبر) من أنها ستمنع مرور النفط عبر مضيق هرمز إذا فرضت عقوبات على صادراتها من النفط الخام. وقاد تهديدها عن احتمال إغلاق المضيق إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، لكن هذه الأسعار عادت وانخفضت أمس في معاملات محدودة بعد أن اعتبرت الأسواق التهديد الإيراني «مجرد كلام أجوف» بحسب ما نقلته وسائل الإعلام. في المقابل فإن الولاياتالمتحدة لم تمرر التصريحات الإيرانية بشأن إغلاق المضيق، وأعلن الأسطول الأميركي الخامس، أن أي تعطيل لحركة الملاحة في مضيق هرمز غير مقبول، ولن يسمح به، ونقلت وسائل إعلام أميركية عن الناطقة باسم الأسطول آمي ديريك فروست قولها «إن التدفق الحر للسلع والخدمات من خلال مضيق هرمز، أمر حيوي لتحقيق الازدهار الإقليمي والعالمي. وكل من يهدد بتعطيل حرية الملاحة في مضيق دولي يخرج عن المجتمع الدولي. ولن يتم التسامح مع أي تعطيل». وأشارت فروست إلى أن البحرية الأميركية «تحتفظ بوجود قوي في المنطقة لردع أو مواجهة أنشطة زعزعة الاستقرار». وقالت «إننا نجري عمليات الأمن البحري بموجب الاتفاقات الدولية لضمان الأمن والسلامة في المياه الدولية لجميع السفن التجارية». لكن طهران عادت أمس ورفضت التحذير الأميركي، وقالت على لسان قائد بالحرس الثوري الإيراني «ردنا على التهديدات سيكون تهديدات». ونقلت وكالة فارس للأنباء عن نائب القائد العام لقوات الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي قوله «ليس لدينا شك في قدرتنا على تنفيذ استراتيجيات دفاعية لحماية مصالحنا الحيوية، سنتصرف بحزم وفي شكل قاطع أكثر من أي وقت مضى». فيما أمّلت الصين أمس الخميس 29 كانون أول (ديسمبر) الحفاظ على الاستقرار في المضيق، ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة «شينخوا» عن الناطق باسم وزارة الخارجية هونغ لي قوله إن «الصين تأمل بإمكان الحفاظ على السلام والاستقرار في مضيق هرمز». لتبقى حرب التصريحات قائمة بين شد وجذب، ويبقى السؤال الأهم مطروحاً حول الأسباب الحقيقة وراء هذا التصعيد والتوتر، في ظل تأكيدات دول المنطقة على إقامة علاقات حسنة مع إيران تلتزم بالمواثيق والقوانين الدولية من دون أي تجاوز لها.