تزخر منطقة نجد بعادات رمضانية جميلة، تربط أبناء الحي الواحد ببعضهم، لتشكل منهم أسرة واحدة متعددة الأفراد، إذ يتجاورون في بيوت صغيرة من الطين في أزقة ضيقة جداً، في حين قلوبهم متسعة بكرم الضيافة، وحسن الجوار، وعامرة بالحب والمودة في ما بينهم. وتتذكر أم عبدالله حياتها في إحدى حواري منطقة الرياض، التي اندثرت الآن فأصبحت كما تقول «طرقاً وشوارع عريضة متسعة، ولم يعد للحي الذي كانت تسكنه وجود، فكأن الأمس لم يكن حاضراً حينها! فذلك عهد مضى وولى، ولم يتبق إلا الذكرى التي تعطر أجواء المجالس من خلال الحديث عنها. كانت لنا علاقات طيبة ومتينة مع البيوت المجاورة لنا، إذ كنا نتزاور في ما بيننا باستمرار، ونتعاون ونساعد بعضنا، وبيوتنا الطينية الملتصقة بجدرانها القصيرة، أشبه بالغرف في القصر الكبير، فنستطيع ببضع خطوات محدودة الدخول والخروج من بيت إلى آخر، بكل يسر وسهولة وعدم تكلف». وعن أجواء رمضان تقول: «كنا نستقبل شهر رمضان، على طلقات متتالية من صوت المدفع، ومن خلاله نعرف وقت الفطور والسحور، فينتظر سماعه الصائمون، لذا أصبح المدفع جزءاً من يومنا الرمضاني، وحقاً هي عادة جميلة افتقدناها في وقتنا الحاضر، لاعتمادنا على وسائل أخرى أكثر تقدماً وتطوراً، فضلاً عن المساجد المنتشرة حالياً، إذ نسمع المآذن تصدح بصوت المؤذنين». وحول الأطباق الرمضانية قالت: «كنا نتبادل أطباقاً من بعض المأكولات، وعادة ما تكون شعبية، فإما جريش أو مرقوق أو هريس أو مطازيز أو قرصان أو كبسة، أما بالنسبة إلى الفطور، فالقهوة والماء والتمر هما إفطار الصائم بعد يوم شاق من العمل، ويضاف إلى قائمة الفطور شوربة الشوفان أو الجريش، وبعد أداء صلاة المغرب نعود لتناول العشاء المكون من طبق واحد فقط من الشعبيات، فيتناول منه جميع أفراد الأسرة، وربما يضاف مع سفرة الطعام شيء من السنبوسة أو اللقيمات». وتروي أن جارة لها من منطقة الأحساء «كانت ماهرة في الطبخ، وخصوصاً طبق الهريس، وتفضل أسرتها تناوله على سفرة الفطور في رمضان، فتتهيأ لإعداد الهريس وفق طريقتها، من قبل صلاة الظهر، وذلك لحاجة هذا الصنف إلى ساعات طويلة حتى يتم نضجه، ويتكون من حب هريس ولحم غنم طازج (هبر)، يوضع على النار إلى أن ينضج، وقبل المغرب بساعة تقريباً، يدفن قدر الهريس في جمر ملتهب حتى يحتفظ بحرارته، ليتم تقديمه ساخناً في وقته». وتحدثت أم عبدالله عن جيران من منطقة القصيم، كانوا يحرصون على «توفير اللبن في موائدهم وقت السحور، ولا يمانعون كذلك من شربه وقت الفطور، كما يقومون بإهداء البعض منه إلى الجيران في وعاء يسمى «غضارة»، وبعضهم يسمونه «طاسة»، ويكون اللبن طازجاً، إذ يطفو على سطحه القليل من الزبد الأصفر اللذيذ». وفي منطقة نجد يسمون المرأة التي تجيد الطبخ وخصوصاً صنع القرصان - إذ كانت النساء في الماضي هن اللاتي يقمن بصناعة الأقراص بأنفسهن - بالمرأة «الظفرة»، بمعنى أنها جيدة في الطبخ وتدبير أمور منزلها، فيما يسمون المرأة التي يتذوقون طعامها ولا يرونه جيداً بالمرأة «الرفلة»، التي لا تجيد صنع الطعام والمهملة في بيتها. أما إن كانت المرأة عندهم تستطيع أن تطبخ «ذبيحة»، وهي الخروف الكامل، فيطلقون عليها المرأة «الظفرة السنعة»، أي أنها امرأة درجة أولى في مهارة فن الطبخ. وأوضحت أم عبدالله أوقات التزاور بين الجيران في رمضان، فبعد الإفطار وأداء صلاة التراويح «البعض يصلي في المسجد من النساء والبعض الآخر في بيته، نجتمع كل ليلة في بيت إحداهن ونتسامر، ونتجاذب أطراف الحديث مع بعضنا، في جو تسوده المحبة والبهجة، التي تتحفنا بها ليالي رمضان الجميلة المباركة، وحينها نتناول بعضاً من الأطعمة المتبقية من سفرة الفطور والعشاء، ويمضي بنا الوقت ساعتين أو أكثر ثم نتفرق، فكل يتجه صوب بيته لتحضير وجبة السحور، إيذاناً ببدء يوم رمضاني آخر».