مازالت تتوالى سقطات الفكر الليبرالي بترقيق بعضها لبعض ، ففي صحيفة ( الحياة ) يوم الأربعاء 17 / 8 / 1431ه كانت آخر تلك السقطات المروعة حين استهدفت صاحب الفقهين ، المتتلمذ على يد الشيخين ، منارة الوسطية والاعتدال في معتقده ومنهجه ، فضيلة الشيخ العالِم العَلَم محمد بن صالح المنجد ، الذي جمع الله له بين العلم الشرعي والتطبيقي ( هكذا نحسبه ولا نزكي على الله أحدا ) . لقد عرفه العالم على أنه واجهة علمية سعودية باعتبار نشأته على ثراها الطيب وتتلمذه على أيدي علمائها ولزومه بيئتها التي لم يغادرها - ولو لمرة واحدة - مذ دخلها وعمره ( 5 ) سنوات حتى كتابة هذا المقال .. ولذلك دلالته العميقة في عالم الحب والبر والصلة .. وقد كانت حياته - حفظه الله - عامرة بالإنتاج العلمي والدعوي والفقهي شهدت بها إحصاءات المستفيدين منها حول العالم . وحين شرقت الليبرالية بهذا الإنجاز الضخم لواحد من عمالقة الكلمة الواعية المسؤولية في مجتمعنا السعودي خرج علينا أخونا الكاتب ( محمد الساعد ) - وهو من نحسبه أخا مسلما نظن به الخير ونتلمس منه الحب والنصرة والإيواء - ليجرح مشاعرنا ومشاعر الملايين من المسلمين بمقال استعدائي مفرغ من كل معاني العدل والموضوعية حين زعم أن الشيخ محمد المنجد دخل المملكة تحت غطاء الاستثمار الأجنبي ، مع أن هذا الاستثمار لم يتجاوز السماح به في المملكة أصابع اليد الواحدة ، فكيف نجمع بين دعوى أخينا محمد الاستعدائية وبين الحقيقة التي تؤكد أن الشيخ عرفته المملكة مذ كان في ( الخامسة ) من عمره المبارك ؟؟؟!!! . وإذا كان الفكر الليبرالي يمتعض مما سماه ب ( فكر الشيخ المنجد المؤدلج ) وأنه في زعمه فكر ( مستورد ) دخل تحت غطاء الاستشمار المالي فإن الإنسان ليتعجب من حساسية الفكر الليبرالي المفرطة ضد عملية ( الاستيراد ) وهو الذي لا يملك في قاموسه ( الأعجمي ) أو حتى في ( النسخة المعربة ) منه مفردة واحدة اسمها ( التصدير ) أما مفردة ( الاستيراد ) فهي في قاموسه مثل رمل ( عالج ) بل لقد بلغ به الولع أن يستعير من الغرب كل شيء حتى ( أنفاس رئيِّهم ونجاسات أمعائهم ) كما يقول ذلك أحد رموزه . ولأننا نؤمن بالقاعدة الشرعية التي تؤكد على ( أن الله تعالى لا يقدر شرا محضا ) وهو مصداق قوله تعالى ( إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ... ) فقد ظهر لنا من الخير في ثنايا هذا الاستهداف الرخيص ما يمكن ذكر بعضه في النقاط التالية : أولا : يقظتنا في الثلث الأخير من الليل - والله على ما أقول شهيد - نرفع الأكف إلى الله تعالى أن يحقق فيمن تولى كبر هذا الاستهداف الظالم قوله تعالى : ( والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ) . ثانيا : سقوط الأقنعة عن الفكر الليبرالي الذي كان يتشدق بشعارات الحرية والإنسانية والديمقراطية ويبشر بالعولمة في كل مناسبة ، ثم تراه يفاجئنا بسحق تلك الشعارات الزائفة حين أغلق بابها في وجه الشيخ محمد المنجد متناسيا أن الشيخ بقدراته العلمية ومواهبه المتعددة شوملي الطرح عولمي القبول . والعجب لا ينقضي من حملة الفكر الليبرالي كيف يعولمون الفكر المنحرف ويمجدون صنَّاعه ، في الوقت الذي يهاجمون فيه عولمة الفكر الإسلامي المعتدل ويعادون أربابه ؟؟؟!!! أوليس ( خالصهم ) ( يجلب )علينا بخيله ورَجِله فيباركون هرطقته مع أنه داعية مضلل برتبة ( بياع كنافة ) وفق معاييرهم الكنافية ومقاييس برازقهم الحلبية ؟؟؟!!! أولم يرفعوا عقيرتهم حين رفض مجتمعنا المسلم استيراد محمد الجابري وفكره المؤدلج فأسمعونا من عبارات الشجب والاستنكار ما يصم الآذان ؟؟؟!!! في الوقت الذي يطالبون فيه بإسكات علم من أعلام الكلمة الراقية في بلادنا الموحدة . يا ويحكم !!! ما هذه المكاييل المطففة !!! أم تريدون منا أن نجعل المسلمين كالمجرمين ؟ والمصلحين كالمفسدين ؟ ما لكم كيف تحكمون ؟ أم لكم كتاب فيه تدرسون ؟ إن لكم فيه لما تخيرون ؟؟؟!!! وحين نشهد للتاريخ على صفحات المواقع فإنا نقول بصوت مرتفع : وما يستوي ( المحمدان ) هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أُجاج !!! . ثالثا : ثبوت تهور حملة هذا الفكر وأن الغاية عندهم تبرر الوسيلة ، فقد كانت غايتهم بغض الشيخ واستعداء الناس عليه فجعلوا الكذب والبهتان مطيتهم بادعاء أن الشيخ قدم إلى المملكة مستثمرا وأنه استغل ذلك لأعماله الدعوية وافترائهم عليه في فتاويه المؤصلة التي يوافقه عليها علماؤنا الكبار ، وكل من يعرف الشيخ من كبار المسؤولين والعلماء وطلبة العلم والعامة يؤمن بأن كل ما قالوه عنه من أعظم أنواع الكذب والمخادعة . رابعا : انهيار قيم الفكر الليبرالي الهلامي بإعلانه على صفحات ( الحياة ) أن ( العمل الشريف ) المتمثل في بيع ( الكنافة ) عمل حقير وموطن للتنفير يؤكد ذلك قول الكاتب عن الشيخ الكريم : ( داعية برتبة بياع كنافة ) . خامسا : أن هذا الفكر المادي البراجماتي أبعد ما يكون عن الفقه الشرعي والتربوي والاجتماعي – وعلى أقل تقدير ذلك الفقه المتعلق بزواله ونهايته المحتومة وفق سنة الله الاجتماعية التي تستعجل وقوعَها أفعالُ الظالمين . سادساً : إن هذا الفكر الأخرق - وبكل صفاقة – قد نسي أنه ينقل المعركة بينه وبين العلماء والدعاة - لتكون بينه وبين الله تعالى حين يجعل من نفسه محاربا للمولى عز وجل بإيذاء أوليائه وإعلان الحرب عليهم ، ولا أدري كيف تبرع أخي محمد الساعد ليكون قائدا في هذه المعركة الخاسرة ؟؟؟!!! . سابعا : ظَنُّ حملة هذا الفكر الممجوج أنهم ينتصرون في حربهم على المجتمع بإعلان الحرب على علمائه ودعاته بغية تفريق الناس من حولهم دون أن يفقه قول الشاعر : ( وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود ) ودون أن يفقه عن أئمة السلف قولهم في أهل العلم : ( وسنة الله تعالى في منتقصيهم معلومة ) وهي مصداق قول الله تعالى في الحديث القدسي : ( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ) فإذا نحن أمام سنة اجتماعية لا تتحول ، قد قضى الله تعالى بوقوعها لا محالة . ثامنا : تهافت هذا الفكر اللبرالي المستورد وظهور تناقضاته المستشرية في طروحاته المختلفة سواء كان هذا التناقض الفاضح بين قديمه وحديثه أو كان بين شخص وزميله الذي يرضع معه من بقرة ( هولندية ) واحدة ، أو كان في المشروع الواحد أو حتى في المقالة الواحدة ، وهاهو أخونا ( الساعد ) يمجد الإنسانية ثم يتنقص أفرادها ، ويعلي قيمة العمل ثم يشتم أربابه ، ويمجد العولمة ثم يؤطر علاقاتها ، ويحرم استيراد الدعاة والمفتين ثم يحلل تصديرهم . تاسعا : نفور الناس من هذا الفكر ( المستورد ) فقد غدت برامجُه التطبيقية تكشف ادعاءاتِه النظرية الموغلة في الفيهقة ، وقد أشرت إلى أمثلة هذا التناقض فيما سبق مكتفيا من القلادة بما أحاط بالعنق . عاشرا : إحياء فهم الإسلام في نفوس أهله ، فقد سئل بعض السلف كيف أفهم القرآن والسنة ؟ قال : ستفسرهما لك الأحداث .. وقد فسر لنا هذا المقال قول الله تعالى في الحديث القدسي : ( من عادى لي وليا – وفي رواية : من آذي لي وليا – فقد آذنته بالحرب ) . حادي عشر : عاش الكثير من حملة الحق على فروض الكفايات في القيام بالأدوار العلمية والدعوية ، وحين كشر هذا الفكر الخبيث عن أنيابه استفاق الراقدون وتنادى القاعدون واستشعروا أن الوضع خطير فتحركت أسماءٌ لامعةٌ قامعةٌ - من أهل العلم والفكر والأدب والتربية والإعلام - لم نكن نعرفها من قبل يمكن تشبيهها ب ( الشهب الحارقة ) للشياطين ، فأحالت فروض الكفايات إلى فروض أعيان لكونها ترى أن القعود عن مقارعة فلول ( اللبرلة ) من التولي يوم الزحف .. وقد صدق فيهم قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( إذا أراد الله أن يعلي الحق قيَّض له باطلا يصادمه فيرسل الله الحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ) . ثاني عشر : ثبوت مصداقية مؤسسة ( راند الأمريكية ) و ( بروتوكولات الحكماء الصهيونية ) حين ذكرت في مخططاتها استهداف العلماء ومحاولة إسقاطهم في عيون الناس فوظفت ( عمَّالها ) ليقوموا بهذه الأدوار نيابة عنهم ، ظانين ظن السَّوء – عليهم دائرة السَّوء – أن الفكر البراجماتي المهجن يمكن أن يقوم مقام الفكر الإسلامي الأصيل ، متناسين أن من باع مبادئه واشترى بآيات الله ثمنا قليلا لا يمكن أن ينتصر في حمل مبادىء غيره ، ففاقد الشىء لا يعطيه . هذه ( درزن ) من المعالم الخيرة التي أظهرها الله تعالى في ثنايا هذا المقال المتجاوز حدود اللياقة الصحفية ، الطاعن في لحمة الأمة المسلمة التي جمعت بين سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي وأبو بكر القرشي ، وأوصت من اعتز بقطريته على حساب أمته بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( دعوها فإنها منتنة ) . إني لا أشك طرفة عين أن هذا المقال سقطة مروعة لأخينا الكاتب ولصحيفته ، ولن يمحو أثرها تعاقب السنين ، وسيبقى هذا المقال موثقا في محركات البحث أعواما بعد أعوام وأجيالا بعد أجيال شاهدا على أن الأخ محمد الساعد قد تولى كبر هذه الهجمة الظالمة على أخيه الشيخ محمد المنجد إلا أن يُحْدِث الله – بتوبة أخينا الساعد - أمراً كان مفعولا .. ومن يدري فلعل أخانا ( الساعد ) وأختنا ( القنيعيرة ) يراجعان حساباتهما ويتركان الاعتماد على أخينا ( الفراج ) كمرجع ثانوي مبدل للحقائق ويعودان إلى سيرة الشيخ وبرامجه العلمية ، الأرضية منها والفضائية ويتابعان مواقعه الإلكترونية وتوظيفاته التقنية لخدمة دينه وأمته ، أقول : لعلهما يراجعان ذلك كله ويعتمدان عليها كمرجع أولى تؤكده مناهج البحث العلمية فيقولان ويقول معهما الفراج : يا شيخنا .. تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين .. فيقول الشيخ المسدد لهما ولكل من وقع في عرضه : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين .. وإلا .. فسنرقب فيمن تولى كبر هذه الهجمة سنة الله التي لا تتخلف في نصرة أوليائه .. ولن نفتأ نقول لكل من جعل الشيخ غرضا للوقيعة : لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم د . خليل بن عبدالله الحدري