مع فشل النظام السوري في حل الأزمة الداخلية منذ بدايات الانتفاضة الشعبية، بدا واضحاً أن الأزمة متجهة نحو التعريب مهما تأخر الأمر. ومع فشل المنظومة العربية طوال شهرين في دفع الحكومة السورية إلى التوقيع على البروتوكول العربي أو حل الأزمة بطرق سياسية، بدا واضحاً أيضاً أن الطريق نحو تدويل الأزمة السورية قد عُبّد. فقبل كل اجتماع للجنة المتابعة العربية يجري الحديث عبر مصادر في الجامعة وعبر وسائل الإعلام عن مؤشرات إيجابية تخرج من دمشق، لكن سرعان ما يتبين عكس ذلك، وإن دل ذلك على شيء فإنه يدل على وجود خلاف كبير بين الطرفين، نابع بالأساس من رفض دمشق فكرة وجود أشخاص في سورية لمتابعة الوضع عن كثب، وهذا ما بدا جلياً منذ بدء الاحتجاجات حين منعت الحكومة وسائل الإعلام من التواجد في الأماكن التي تجري فيها الاحتجاجات. كما أن دمشق التي أعلنت مراراً قبولها المبادرة العربية، ترفض في المضمر بنود المبادرة لأنها تدعو إلى إنهاء المظاهر العسكرية المسلحة في المدن، وإطلاق سراح المعتقلين على خلفية الأحداث الأخيرة، وتلبية هذه المطالب ستزيد من حدة الاحتجاجات، الأمر الذي يسلب النظام القدرة على الإمساك بزمام الأمور. هنا تطرح تساؤلات عدة: لماذا وقعت الحكومة السورية على بروتوكول الجامعة العربية؟ وهل هذا التوقيع خطوة تكتيكية هدفها تمرير الوقت؟ أم خطوة إستراتيجية لكشف حقيقة ما يجري في البلاد؟ إن توقيع الحكومة السورية على المبادرة جاء بعيد أيام من تقديم روسيا مشروع قرار في مجلس الأمن، يطالب بوقف العنف فوراً من قبل الأطراف كافة مع إشارة إلى الاستخدام غير المتكافئ للقوة من جانب السلطات، ويطالب الحكومة السورية بوضع حد لعمليات القمع ضد الذين يمارسون حقوقهم في حرية التعبير. ومع أن مشروع القرار يساوي بين النظام والمعارضة، إلا أنه خطوة متقدمة يمكن البناء عليها كما عبرت بعض الدول الغربية. كما جاء التوقيع، وهذا هو الأهم، بعد قناعة دمشق أن الجامعة العربية وصلت إلى المرحلة الأخيرة من نفاد الصبر، وأن نقل الملف السوري إلى مجلس الأمن أصبح مسألة أيام، وهذا يعني أن التوقيع على المبادرة جاء ليقطع الطريق على الجامعة العربية في تدويل الملف السوري، أو يؤجل خطوة التدويل أسابيع أو أشهراً أخرى. إن قبول سورية بالبروتوكول العربي يغلق صفحة من عض الأصابع بينها وبين المنظومة العربية، لكنه يفتح صفحة أخرى أكثر صعوبة، ذلك أن تجسيد بنود المبادرة على الأرض عملية معقدة جداً، ويصعب تصور تطبيقها، إذ كيف يمكن للنظام سحب قوات الأمن والجيش من مناطق التوتر التي تعج ب «الإرهابيين المسلحين الذين يقتلون المدنيين» كما يقول؟ وكما يخشى النظام السوري من قيام المراقبين العرب بفبركة شهادات مزورة، تخشى الجامعة العربية بالمقابل من قيام الحكومة السورية بفبركة شهود وشهادات مزورة مخالفة للحقيقة. إن الغاية من التوقيع هي تمرير الوقت مرة أخرى على أمل حدوث تحول ميداني لمصلحة النظام، من شأنه أن يعيد خلط الأوراق ويؤسس لقواعد لعبة جديدة في الداخل، تنعكس مباشرة خارجياً في تعاطي دمشق مع المنظومة العربية أولاً، ومع المنظومة الإقليمية والدولية ثانياً. * إعلامي وكاتب سوري