تعرف ساحة "الطحطاحة" في مدينة وهران، غربي الجزائر، حركة كبيرة خلال شهر رمضان، حيث يلتقي فيها الشعراء والفنانون، الذين يحيون فيها الحفلات، في حين يجدها الساسة مكاناً ملائماً لتبادل الأفكار. وقال نصرو زوار، وهو شاب في العقد الثالث من العمر، ل"الأناضول" إن "ساحة الطحطاحة في مدينة وهران (450 كيلو متر غرب الجزائر العاصمة)، من الأماكن المحبّبة إلى قلبي، نظراً للحركية التي تطبعها، في شهر رمضان وسائر العام". وتابع: "تعجبني الحفلات التي تنظم في ساحة الطحطاحة. إنها متنفس للعائلات الوهرانية، وملتقى لكل محبي الفن الأصيل". وفي السياق ذاته، قال الباحث في التراث الموسيقي لمدينة وهران، بوحسون تشيكو، في حديثه ل"الأناضول" إن "ساحة الطحطاحة تُعدّ بحقّ ملتقى للشعراء والفنانين في رمضان وسائر الشهور، فقد كانت إبان الاحتلال الفرنسي للبلاد (1830-1962)، مكاناً يجتمع فيه شعراء الملحون، وهي قصائد مكتوبة بلهجة جزائرية قريبة من العربية الفصحى، نظمت في حبّ المرأة والوطن، وكراهية الاستعمار". وأضاف تشيكو: "شيوخ الملحون كانوا يستمعون إلى قصائد بعضهم البعض، ويتمتعون بعرض أشعارهم أمام الجمهور في ساحة الطحطاحة". وتابع : "حتى مغنو الطابع البدوي (تستخدم فيه آلات موسيقية تقليدية كالناي والطبل)، على غرار الشيخ حمادة، والخالدي، كانت أغانيهم مستلهمة من قصائد الملحون"، معتبراً أن ساحة الطحطاحة مرجع للتراث الموسيقي بوهران. وتقع ساحة الطحطاحة بوسط مدينة وهران، وتعجّ بالباعة المتجولين، خصوصاً في شهر رمضان، الذين يعرضون سلعهم، وفي مقدمتها الألبسة والأحذية بأثمان معقولة، ما يجعل محدودي الدخل يتوافدون عليهم لشراء ما يلزمهم من أغراض. وتعني كلمة "الطحطاحة" باللهجة الجزائرية، "الأرض المستوية والواسعة". ومن الناحية التاريخية، فإن ساحة الطحطاحة ارتبطت بحادثة مقتل 74 جزائرياً في تفجيرات قامت بها منظمة الجيش السري الفرنسي، في 28 شباط (فبراير) 1962. وما تزال "الطحطاحة" تحتفظ بمكانتها لدى الفنانين، وفي مقدّمتهم مغنو طابع الراي (ظهر بالغرب الجزائري، ونقله الشاب خالد إلى العالمية)، الذين يقصدونها كي يلتقوا بكتاب الكلمات، وحتى الملحنين والموسيقيين. وإذا كانت "الطحطاحة" رافداً إبداعياً يغترف منه الفنانون والشعراء، فإن الساسة أيضاً وجدوا في المكان سوقاً يروّجون فيها بضاعتهم السياسية، ويستغلون السهرات الرمضانية بهذه الساحة ليلتقوا بغرض تبادل الأفكار، لا سيما أولئك المنخرطين في أحزاب كبيرة، على غرار حزب "جبهة التحرير الوطني" (الحاكم في الجزائر)، الذين يضربون "عصفورين بحجر واحد"، كما قال أحد المناضلين في الحزب. فمن جهة يتمتعون بالسهرات الفنية المقامة بساحة الطحطاحة، ومن جهة أخرى يضبطون أجندة نشاطاتهم الحزبية خلال شهر الصيام.