حرص رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل في لقائه مع عدد من إعلاميي الحركة، بينهم الناطقون باسمها، القادمون من قطاع غزة إلى القاهرة، على إيضاح ما سماه «الروح الجديدة» للحياة السياسية الفلسطينية. وتتمثل هذه الروح في «المصالحة» و «الانفتاح على الآخر» و «استيعاب المختلف» و «المشاركة السياسية». يعترف مشعل بأن هناك أطرافاً ستعارض المصالحة «أطراف عندنا (في حماس) وأطراف عندهم (في فتح)، وأطراف خارجية». لكنه أكد أن «الروح الجديدة انطلقت، ولن يتمكن أحد من الوقوف في طريقها». وتعكس أقوال مشعل هذه تغييرات تجرى في حركتي «حماس» في مرحلة ما بعد «الربيع العربي»، كما تجرى أيضاً في حركة «فتح» في مرحلة ما بعد فشل العملية السياسية في إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو ما جعل المصالحة ممكنة. فمن ناحية «حماس»، كان للربيع العربي وما أعقبه من نجاح «الإخوان المسلمين» في الانتخابات المصرية والمغربية والتونسية أثر كبير في «الروح الجديدة» للحركة. وكان لاندلاع الثورة في سورية أثر في إعادة الحركة صياغة رؤيتها السياسية وعلاقاتها الإقليمية والوطنية. ومن ناحية «فتح» كان لفشل العملية السياسية التي انطلقت في أوسلو عام 1993 في الوصول إلى اتفاق لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة الأثر الأكبر في العودة إلى الملف الداخلي. وقال مسؤولون في «حماس» في قطاع غزة إن مشعل معجب جداً بالتجربة التونسية التي أقام فيها الإسلاميون تحالفاً مع اليساريين والقوميين، ودعموا رئيساً من اليسار القومي. وكما يتوقع أن يدرس «الإخوان المسلمون» في مصر إقامة تحالف مماثل، الأمر الذي كان له أثره على توجهات حركة «حماس». وبحسب مصادر في «الإخوان» في مصر فإن الحزب الذي يفوز بأكثر من 50 في المئة من مقاعد البرلمان يدرس تولي ثلاث حقائب فقط في الحكومة المقبلة هي الصحة والتعليم والأوقاف، ودعم أطراف أخرى لتولي بقية الحقائب. وبحسب مراقبين فان هذا التوجه يجنب «الإخوان» مسؤولية حدوث تباطؤ متوقع في عملية التغيير في مرحلة ما بعد الانتخابات بسبب حجم الخراب الموروث من العهد البائد. وتقول مصادر في «حماس» إن قيادة الحركة قررت المضي في المصالحة، وإقامة تحالف مع باقي الفصائل بعد أي انتخابات مقبلة. وتضيف هذه المصادر ل «الحياة» إن الحركة تتجه إلى عدم ترشيح قادة الصف الأول في الانتخابات المقبلة كما فعلت في الانتخابات السابقة عام 2006، بل سترشح كوادر وسطى، كما أنها ستدعم عدداً من المستقلين والمهنيين المقربين منها في البرلمان والحكومة. ويعترف قادة «حماس» بصعوبة التحول الجاري نحو المصالحة والانتخابات والتحالف مع القوى الأخرى، إذ يعترفون بوجود مراكز قوى داخل الحركة في قطاع غزة تعارض ذلك بسبب مصالحها. والأمر ذاته في حركة «فتح» التي تقول إن لديها أيضاً مراكز قوى في المؤسستين الأمنية والسياسية تعارض المصالحة، وإن هذه الصعوبات ستجعل العملية بطيئة، لكنها لن تتمكن من إيقافها. وقال جبريل رجوب عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» إن «قطار المصالحة انطلق، ولن يتوقف على رغم كل الصعوبات التي نراها». وحرص خالد مشعل على الظهور على محطتي «تلفزيون فلسطين» في رام الله و «تلفزيون الأقصى» في غزة، لإيصال الرسالة إلى جمهوري «فتح» و «حماس». وقال مشعل في مقابلة تلفزيون الأقصى»: «نحن لا نعمل في أرض سهلة، بل في أرض صعبة. هناك أخطاء متبادلة، لكن الانقسام حالة طارئة يجب أن تنتهي، حالة أجبرنا عليها ويجب أن نخرج منها». ولفت إلى أن «الأعداء يتصالحون، فكيف بأبناء الشعب الواحد». وحدد مشعل أرضية العمل المشترك بين «فتح» و «حماس» في المرحلة المقبلة ب «المقاومة الشعبية» و «مشروع إقامة الدولة على حدود العام 1967»، مشيراً إلى أن الحركة لن تلجأ إلى أساليب مقاومة أخرى من شأنها التأثير في العلاقات الداخلية. وأضاف: «لا تستهينوا بالمقاومة الشعبية، فهي مقاومة قوية لديها قوة تسونامي»، مشيراً إلى التغيرات التي أحدثتها في المنطقة. واتفق الرئيس محمود عباس ورئيس حركة «حماس» على سلسلة آليات عملية للشراكة السياسية، وإنهاء الانقسام. وقالت شخصية رفيعة اطلعت على الحوار الذي جرى بين عباس ومشعل في القاهرة في الثاني والعشرين من الشهر الجاري وفي الرابع والعشرين من الشهر الماضي: «لا نريد أن نفرط في التفاؤل، ولا نريد أن نفرط في التشاؤم، لكن لدينا للمرة الأولى اتفاق له أرجل يمشي عليها، اتفاق له آليات قابلة للتطبيق». وتوقع مسؤولون في «حماس» حدوث تطور كبير في العلاقات الوطنية في المرحلة المقبلة. لكنهم أشاروا إلى أن إعادة دمج المؤسستين الحكوميتين في الضفة الغربية وقطاع غزة، والوصول إلى شراكة سياسية في منظمة التحرير أمر سيستغرق ربما سنوات. ولم يخف مشاركون آخرون في الحوار قلقهم من أن تؤدي العملية إلى «انتقال من الانقسام إلى إدارة الانقسام»، كما قال ماهر الطاهر عضو المكتب السياسي ل «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين».