تحققت المصالحة الشخصية بين قيادة «فتح» و «حماس»، فهم يلتقون بصورة دورية، ويتباحثون في شؤون الحاضر والمستقبل بانسجام وتفهم كبيرين. لكنهم يواجهون صعوبات كبيرة ومعقدة في إنهاء الانقسام الذي وقع قبل نحو خمس سنوات. ويقول مسؤولون في الحركتين إن العلاقة الشخصية بين قيادتيهما باتت متقدمة جداً بعد فترة عداء طويلة تبادلتا خلالها أقذع الاتهامات، من «الخيانة» الى «الانقلاب» وإقامة «إمارة ظلامية» وغيرها، وأن رئيسي الحركتين محمود عباس وخالد مشعل باتا أقرب حليفين في الحياة السياسية الفلسطينية، وتوصلا الى تفاهمات استراتيجية تتعلق ليس فقط بالحاضر وإنما أيضاً بالمستقبل، وتتضمن في ما تتضمنه، إقامة حكومة تحالف مشتركة عقب الانتخابات المقبلة. لكن هذا الانسجام الشخصي الذي تمخضت عنه اتفاقات وإعلانات عدة من الورقة المصرية الى «إعلان الدوحة» وما بينهما، يقف شبه عاجز أمام حقائق الانقسام السياسي والجغرافي والمؤسساتي بين الحركتين التي تقود كل واحدة منهما جزءاً من الاراضي الفلسطينية المحتلة، «حماس» في قطاع غزة، و «فتح» في الضفة الغربية. فحركة «فتح»، خصوصاً رئيسها، رئيس السلطة محمود عباس، يبدي حذراً شديداً في كل خطوة يخطوها نحو «حماس». وقالت شخصية سياسية مقربة من الرئيس انه يسير في سياسته نحو «حماس» على خيط رفيع، اذ يخشى في كل لحظة من الوقوع في هاوية من المشكلات السياسية والمالية مع الجهات المؤثرة، خصوصاً في موازنة السلطة التي تصل الى نحو 4 بلايين دولار بعجز يزيد عن بليون. وقال الأمين العام ل «الجبهة الديموقراطية» نايف حواتمة ل «الحياة»: «لدى الرئيس محمود عباس حسابات دولية وإقليمية، فهو لا يخطو خطوة قبل أن يعرف نتائجها على السلطة». ونقل مسؤول آخر عن عباس قوله في اللقاءات الداخلية: «لا أريد أن أنقل الحصار من غزة الى الضفة، إنما أريد أن أخرج غزة من الحصار كما هي الضفة». وتخضع «حماس في قطاع غزة الى حصار سياسي ومالي تقوده الولاياتالمتحدة لرفضها استجابة الشروط الغربية والاسرائيلية الداعية الى نبذ العنف والاعتراف بإسرائيل. ويسعى الرئيس عباس الى تشكيل حكومة من التكنوقراط تتولى التحضير لإجراء الانتخابات العامة. لكنه أبلغ مشعل في لقائهما الأخير في القاهرة أنه لا يريد تشكيل حكومة قبل أن يعرف بدايتها ونهايتها. وقال عضو المكتب السياسي ل «حماس» عزت الرشق الذي شارك في هذه اللقاءات: «الرئيس عباس قال للأخ مشعل انه لا يريد تشكيل حكومة قد تستمر طويلاً». وأضاف: «هو يريد ان يعرف متى ستجرى الانتخابات، وبعد تحديد موعدها، يتم تشكيل الحكومة لفترة قصيرة تشرف خلالها على إجراء هذه الانتخابات». ويبدي عباس أيضاً اهتمامه ببرنامج الحكومة بحيث لا تخرج عن برنامجه المعروف للأطراف المختلفة. وكان عباس صرّح بأن برنامجه المعروف هو برنامج الحكومة، الامر الذي عارضته «حماس» بشدة. لكن الرئيس يقول في اللقاءات الخاصة انه لن يقبل أن تستغل أطراف معادية تشكيل الحكومة الجديدة بموافقة «حماس» لتطالب بوقف التحويلات الجمركية الاسرائيلية والمساعدات الاميركية إليها. وتشكل التحويلات المالية الجمركية التي تجبيها إسرائيل وتحولها الى السلطة 60 في المئة من إيرادات الحكومة الفلسطينية. وتبلغ المساعدات الاميركية الى السلطة 474 مليون دولار سنوياً، منها 200 مليون مساعدة مباشرة للموازنة، والباقي للمشاريع التنموية ول «وكالة الاممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين» (اونروا). ويخشى الرئيس عباس من إقدام الكونغرس ذي الغالبية المحافظة على وقف هذه المساعدات، الأمر الذي يؤثر في قدرة السلطة على دفع رواتب موظفيها. ويسعى عباس الى ضمان إجراء الانتخابات في القدس قبل تحديد موعد لها، الامر الذي جعله يطلب في اللقاء الأخير مع مشعل التريث في تشكيل الحكومة خشية رفض اسرائيل السماح بإجرائها في القدس، وتالياً بقاء الحكومة الجديدة لفترة طويلة مقبلة. ويواجه مشعل صعوبات لا تقل عن الصعوبات التي يواجهها عباس. ووفق مقربين منه، فإن الصعوبة الاولى تتمثل في مطالبة قيادة «حماس» في قطاع غزة بمراعاة مصالح الحركة ومؤسساتها القائمة في قطاع غزة. ويشدد قادة «حماس» في غزة على أن تخضع الحكومة للمساءلة أمام المجلس التشريعي الذي تتمتع فيه الحركة بغالبية مطلقة تمكنها من إسقاط الحكومة في حال قيامها بخطوات تتعارض مع مصالح الحركة. وفي الاجتماع الاخير للمكتب السياسي ل «حماس»، طالب ممثلو قطاع غزة بأن يؤدي عباس اليمين القانونية امام المجلس التشريعي. ويطالب قادة «حماس» في غزة أيضاً بالتريث في إجراء الانتخابات الى حين تهيئة الاجواء. وقال القيادي في الحركة في غزة محمود الزهار: «كيف يمكن إجراء انتخابات بينما يتعرض كل من يحمل يافطة انتخابية الى السجن، ويعتقل كل من يحمل مالاً لحماس بتهمة تبييض أموال؟». وقالت مصادر مطلعة ان الحركة التي اقرت «اتفاق الدوحة» في الاجتماع الاخير لمكتبها السياسي في القاهرة، اشترطت تطبيقة بموافقة عباس على عرض حكومته امام التشريعي والاعلان انه ليس لديها برنامج سياسي. وفي حال نجاح الطرفين في تخطي هذه القائمة الطويلة من العقبات، وهو امر مشكوك فيه بدرجة كبيرة، فإنهما سيجدان نفسيهما أمام عقبات جديدة اولاها واقع قطاع غزة المحرر من الاحتلال، والضفة الواقعة تحت الاحتلال. أولى هذه الصعوبات إعادة دمج الاجهزة الامنية التي يسير كل منها وفق عقيدة أمنية مختلفة. ومنها إعادة دمج المؤسستين الحكوميتين، وإعادة استيعاب أكثر من 75 ألف موظف سابق، نصفهم من رجال الأمن، في المؤسسة الحكومية التي سيطرت عليها «حماس» وعيّنت فيها موظفين موالين لها. ويرى كثيرون أن معالجة هذه الملفات سيستغرق سنين طويلة مقبلة. ويقول مسؤولون في الحركتين: أن نبدأ بالعملية خير من بقاء الوضع على ما هو عليه. لكن ثمة من لديه قلق من احتمال حدوث استعصاء في التغلب على بعض هذه العقبات، مثل اجهزة الامن والانتخابات وغيرها، يؤدي الى انهيار العملية برمتها، مشيرين الى عدم نضوج الآليات الديموقراطية في المؤسسة الديموقراطية. ويقدم هؤلاء أمثلة منها فوز «حماس» في الانتخابات المقبلة، ورفض «فتح» السماح لها بممارسة الحكم في الضفة، او فوز «فتح» وعدم سماح «حماس» لها بممارسة الحكم في غزة.