انطلق المسرحي التونسي أنور الشّعافي في مغامرته التجريبية قبل عشرين سنة، حينما قدّم عمله المسرحي «ليلة 27»، وما زال مستمراً ليقدم اليوم عملاً جديداً يبدو أنه سيكون مثيراً للجدل. العمل الجديد للشعافي يحمل عنوان «ترى ما رأيت»، وهو أحدث أعمال مركز الفنون الدرامية والمسرحية في مدنين، وافتتح فعاليات الدورة السادسة عشرة للمهرجان الوطني المسرح التجريبي في مدينة مدنين، والتي تمحورت حول «التجريب في المكان». اعتمد الشّعافي، في عمله الجديد، على نصّ شعري للشاعر التونسي المقيم في باريس كمال بوعجيلة، كان كتبه مطلع التسعينات من القرن الماضي، على إثر أزمة صحية ألزمته المستشفى ودفعته إلى تناول أسئلة الحياة والموت. ومن على سرير مستشفى، وسط فضاء مفتوح، تنطلق المسرحية، متأرجحة بين الأبيض والأسود، في إحالة إلى المرض والكفن والموت. ووسط تلك الإيحاءات، تنطلق لوحات راقصة على إيقاعات موسيقية وضعها الفنان إبراهيم البهلول، تحمل الكثير من أجواء الجبال والفيافي، بما تضفيه من جماليّة سوريالية، وتتنوع الإيقاعات لتعطي انطباعاً بتحرر الجسد وانطلاقته نحو آفاق أرحب. هكذا، يبرز سؤال المكان، من خلال حلم شابّ في «الحرقة»، أي السفر غير الشرعي إلى أوروبا، مثل آلاف غيره غالبيتهم التهمهم البحر، ليصل بعضهم القليل إلى الضفة المنشودة. واعتمد المخرج تقنية المزج بين المشهد المسرحي والمشهد السينمائي، لصنع «لوحة» تتجاوز سلطة المكان والزمان، وتمتزج فيه الصورة بالحركة. كما وظّف لغة الجسد، بالحركة والرقص المسرحي، في تناول فنّي للحظة الراهنة، فيما يؤكد المخرج أن ذلك كله يكون عبر «عملية تقطيع فنّي تقوم على مسرح الصورة». ولم يفّت الشعافي التنبّه إلى حضور تقنيات التواصل الاجتماعي الإلكتروني في حياتنا اليومية والسياسية والثقافية، فجمع بين الشاب وصديقته الفرنسية عبر فضاءين اختزلهما في فضاء واحد، من خلال خاصية «سكايب» للتخاطب والتواصل، وهنا تكمن المغامرة في اعتماد المخرج على ممثلة فرنسية افتراضية. وقدمت المسرحية وجوهاً شابة، من طلاب وخريجي المعاهد العليا للمسرح، خضعوا جميعاً لتدريبات مكثّفة منذ نيسان (أبريل) الماضي. ويقول الشعّافي: «لا يقتصر دور مركز الفنون المسرحية في مدنين على الإنتاج، بل يتجاوزه إلى التكوين، وقد كشفت هذه المسرحية عن مجموعة من الممثلين الشبّان الذين حوّلوا الجسد والحركة، تقنية مسرحية، أسوة بالكلمة والصوت، لا سيما أن الشاعر كمال بوعجيلة كان حاضراً في العمل بصوته وإلقائه الشعري». ويتابع: «نسعى في هذا العمل إلى تطويع وسائل الاتصال الحديثة للمسرح، في محاولة منّا لتوليف لغة مسرحية تتجاوز المكان المسرحي، ويقوم ذلك على عملية مونتاج سلسة، بين المشهدين المسرحي والسينمائي، وتشارك في هذا العمل ممثلة افتراضية من فرنسا تكون حاضرة -الآن وهنا- خلال العرض المسرحي». يُذكر أن الشعافي يشتغل على التجريب منذ بداياته، قبل عشرين سنة. وكان قد أسس جمعية مسرح التجريب في مدنين، ومهرجان المسرح التجريبي الذي تتوزّع عروضه في دورة هذا العام بين فضاءات غير تقليدية، منها قاعة ملاكمة، وبين الناس في الشارع، وغيرها من الفضاءات غير المكتشفة مسرحياً.