يتجه الاقتصاد الألماني إلى تحقيق نمو بنسبة ثلاثة في المئة لعام 2011 بأكمله، مقارنة ب3.6 في المئة عام 2010، وفق توقعات رسمية. لكن هذين الرقمين الجيدين لن يتكررا على الأرجح في الأعوام اللاحقة التي يتوقَّع أن تشهد نمواً متواضعاً في ظل أزمة ديون أوروبية مفتوحة على كل الاحتمالات، إلى جانب تأزم الأوضاع الاقتصادية والمالية في معظم الدول الأوروبية، خصوصاً منطقة اليورو التي تعاني تراجعاً واضحاً للنمو فيها. وتراوح التوقعات حول معدل النمو المنتظر في ألمانيا العام المقبل بين 0.5 وواحد في المئة فقط. مقارنة بالدول الأوروبية الرئيسة مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا، تبدو ألمانيا حالياً وكأنها تسبح عكس التيار العام في القارة. لكن، واضح أيضاً أن البيانات الاقتصادية والمالية الجيدة للدول لا تكفي وحدها لحمايتها من خفض تصنيفها الائتماني من جانب وكالات التصنيف الدولية. فوكالة «ستاندارد آند بورز» خفضت أخيراً النظرة العامة إلى ألمانياوفرنسا من مرتبة «مستقر» إلى مرتبة «سلبي» بسبب «الوضع المالي العام الخطر في أوروبا»، وأمهلت الدولتين 90 يوماً قبل أن تلجأ إلى خفض علامتهما الممتازة «AAA» درجة. ويعني هذا للدولتين زيادة أسعار الفائدة على سنداتهما الحكومية، ما سيزيد الديون عليهما ويرفع عجزيهما. وأكدت الوكالة أنها ستنظر في وضع 15 دولة أوروبية أخرى قريباً. التصنيع والبطالة وفيما فوجئ الألمان بهذا التدبير السلبي من الوكالة، استبعد خبراء أن تؤثر الخطوة مباشرة في الوضع الاقتصادي الألماني ومكانته الأوروبية والدولية الجيدة حالياً. وأكدت بيانات حديثة لوزارة الاقتصاد الألمانية أن الطلبات الواصلة من الخارج حتى نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي للشهور الستة اللاحقة، ملأت دفاتر الكثير من الشركات، كما أعلنت «النقابة الفيديرالية للتجارة الكبيرة والتجارة الخارجية» أن قيمة الصادرات لهذا العام ستسجل رقماً قياسياً يفوق ترليون يورو (عند 1.075 ترليون يورو تحديداً). وبذلك ستحتل ألمانيا المرتبة الثانية بعد الصين في هذا المجال مخلفة الولاياتالمتحدة واليابان وراءها. وتوقع رئيس النقابة أنطون بورنر زيادة في الصادرات الألمانية عام 2012 بمعدل ستة في المئة إلى 1.139 ترليون يورو. والجانب الآخر الذي ميّز الاقتصاد الألماني هذا العام هو انخفاض عدد العاطلين من العمل بوضوح إلى ما دون ثلاثة ملايين شخص بعدما وصل أواخر عام 2005 إلى أكثر من خمسة ملايين شخص. وكان عام 2010 شهد تراجعاً تدريجياً للبطالة بفعل الازدهار الاقتصادي عامذاك، لكن أحداً لم يتوقع كسر حاجز الثلاثة ملايين شخص إلى أسفل بهذه السهولة في ظل أوضاع مالية واقتصادية غير مؤاتية في أوروبا والعالم. وفيما بلغ عدد العاطلين من العمل في ألمانيا مطلع العام الحالي 3.4 مليون شخص، وفق «الوكالة الفيديرالية للعمل»، هوى العدد في تشرين الثاني (نوفمبر) إلى مليونين و713 ألف شخص بتراجع 24 ألفاً عن الشهر الذي سبقه و214 ألفاً عن الشهر ذاته من العام الماضي. الأجور وساعدت هذه التطورات الإيجابية في رفع الأجور بوتيرة أسرع مقارنة بالأعوام الماضية، ما شجع المستهلكين على الشراء بعد سنوات من التوفير في الإنفاق. وحرّك تنامي الاستهلاك السوق الداخلية بوتيرة جيدة فزاد الإنتاج الداخلي تبعاً لازدياد الاستهلاك المحلي. ومن هنا نشأت الدعامة الثانية للاقتصاد إلى جانب الصادرات. ومع ذلك أظهرت دراسة أخيرة نشرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تمثل 35 دولة متقدمة، أن القيمة الشرائية الفعلية للأجور في ألمانيا انخفضت عنها قبل 10 سنين، ودعت إلى تصحيح هذا الوضع. وأورد المكتب الفيديرالي للإحصاء في فيسبادن أن التضخم الحاصل في البلاد بفعل ارتفاع أسعار النفط والغاز في العالم ابتلع عملياً نصف قيمة زيادة الأجور.