أصبحت آثار الأزمة الاقتصادية في اليونان واضحة المعالم والتأثير في فئات واسعة من المجتمع اليوناني، خصوصاً فئات العاطلين من العمل والمتقاعدين. فالحكومات اليونانية اليمينية واليسارية جعلت اليونانيين يعيشون خلال السنين ال30 الماضية رفاهية مصطنعة لأسباب انتخابية ودعائية، عبر الاستدانة من الداخل والخارج، حتى جاءت اللحظة التي لم تعد خزينة الدولة تستطيع أن تتحمل أي مزيد، فانهار الوضع مرة واحدة في شكل يستعصي على الإصلاح. واليوم يُدعى اليونانيون إلى دفع فاتورة طويلة من الإنفاق الحكومي المسرف والترهل في القطاع العام والتهرب الضريبي والفساد وتمرير الصفقات بين الحزبين الرئيسين على حساب الدولة. وأصبح عدد العاطلين من العمل اليوم بالآلاف، فيما تتحدث الأخبار عن طلب الترويكا - الاتحاد الأوروبي والمصرف المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي التي تراقب التزام أثينا بسياسة متقشفة في مقابل حصولها على قروض إنقاذ - تسريح 150 ألف موظف حتى عام 2015، ما يعني مستقبلاً مظلماً لهؤلاء الموظفين وأسرهم. وتكتظ مراكز تشغيل العاطلين من العمل بآلاف من هؤلاء، ممن يطمعون في نيل مساعدة البطالة التي تعطى عادة لستة شهور، فيما تبتكر تلك المراكز في أساليب التهرب من دفع تلك المعونة، خصوصاً للعمال الأجانب. واختار آلاف من الشباب اليونانيين المتخرجين حديثاً في الجامعات أو المسرّحين من العمل، الهجرة إلى بلدان أوروبية أو أستراليا أو كندا أو غيرها ليجربوا حظهم، بعدما أدركوا انسداد الأفق أمامهم في وطنهم. ويواجه موظفون آخرون ما يسمى «العمل الاحتياطي» أي التسريح المؤقت، مع الوعد بالبحث في الاندماج من جديد في العمل، مع تلقي جزء من الراتب، وهو أمر اعتبرته النقابات العمالية تهرباً من دفع فاتورة التقاعد لهؤلاء الموظفين. ويستغل أرباب العمل أجواء الأزمة وخوف الموظفين من فقدان عملهم ليفرضوا عليهم قبول أجور أقل، أو ساعات عمل إضافية من دون مقابل، كما يسرحون عدداً منهم ويعتمدون على الباقي في تسيير أمور العمل. أما المتقاعدون، الذين كانوا يتلقون رواتب منخفضة في معظم الأحيان (400 - 500 يورو شهرياً)، فخسروا جزءاً مهماً من تلك المبالغ، فيما لا يبدو أن هناك ما يضمن لهم تجنب خسائر إضافية. ويواجه المتقاعدون أزمة أخرى على صعيد الدواء، حيث أصبحت الصيدليات تطلب منهم دفع ثمن الدواء فوراً، ليستردوا جزءاً من قيمته بعد ذلك من صناديق التأمين الاجتماعي، وذلك بعد تأخر تلك الصناديق في تأدية ما عليها لأصحاب الصيدليات وتراكم الديون عليها. العلاقات الأسرية لكن طبيعة الأسرة اليونانية التي لا تزال متماسكة نوعاً ما، تدفع الأبناء إلى مساعدة ذويهم في حال احتاج هؤلاء إلى مساعدة ما، كما أن الملكية الفردية الصغيرة والمتوسطة الموزعة على معظم أبناء الشعب اليوناني تجعل من كثيرين يتحملون هذه الضغوط الاقتصادية إلى حد ما. وأخيراً بدأت بعض المحطات التلفزيونية والإذاعية تقوم بحملات تضامن مع هذه الفئات، تهدف إلى جمع بعض المؤن والمواد الضرورية وتوزيعها عليهم، خصوصاً في مواسم الأعياد. ويطيب لبعض وسائل الإعلام تضخيم مسألة الفقر المستجد في اليونان، فانتشرت أخيراً أخبار عن حالات إغماء لتلاميذ في المدارس الابتدائية بسبب سوء التغذية. وتشهد اليونان منذ سنوات تناقصاً ملحوظاً في عدد الزيجات، شأن كثير من دول أوروبا، لكن الأزمة ساهمت كذلك في تقليص نسبة الطلاق، لارتفاع تكاليفه. وتتحول عمليات السرقة والسطو المسلح إلى حوادث يومية تودي بضحايا وتتسبب بأضرار، وغالباً ما يكون الهدف الحصول على مبالغ من المال أو أشياء ذات قيمة مرتفعة، لكن الذين يقومون بتلك العمليات لا يترددون كثيراً في إطلاق النار من دون أن يلقوا بالاً بالنتائج.