الابتزاز.. مفردة مزعجة وتجلب معها قدراً كبيراً من المشاعر السلبية، فهي تجسيد لواحدة من أحد الخصال التي يمكن أن يتحلى بها الإنسان، حين يستغل قوته مقابل ضعف إنسان آخر، سواء كان هذا الضعف مؤقتاً أو دائماً، ويمرّ الإنسان في مراحل حياته المختلفة بتجارب صعبة من هذا النوع منذ زمن الطفولة الأولى، حين يهددك أخوك بأن يخبر أمك بأنك أنت من كسر التحفة الثمنية وأنت تلعب الكرة إن أنت لم تشركه في قالب الحلوى الذي معك! أو حين يبتزك زميل الصف بأن يخبر المعلم بأنك قد غششت الواجب منه إن لم تعطه تلك الصورة النادرة من ملصقات عصير«السن توب»! ومع التقدم في السن يصبح الابتزاز أكثر شراسة على الصعيد الأسري أو العملي، فعلى الصعيد الأسري قد يبتز الزوج زوجته مقابل السماح لها بالعمل، طبعاً هذا إذا كنا نتحدث عن ابتزاز رجل لرجل أو امرأة لامرأة، ولكن يصبح الموضوع أكثر قذارة حين يتعلق الأمر بابتزاز أحد الجنسين للآخر. قضية الابتزاز متشعبة بالفعل، وأسبابها ودوافعها تحتاج إلى تحليل دقيق من النواحي الشرعية والثقافية والقانونية وحتى النفسية والبيئية، فبيئة العمل غير بيئة العائلة، وبيئة الدراسة تختلف عن بيئة العبادة، والابتزاز يمكن أن يقع في المدرسة كما المسجد، والشركة كما المنزل، اهتمامي هنا منصب على جزئية معينة من قضايا الابتزاز، التي أصبحت تطالعنا الصحف مؤخراً بالكثير من أخبارها، وأعني بها قضايا ابتزاز الفتيات من قبل الشبان بالصور أو الرسائل وغيرها. والباحث يقابل صعوبة في تحديد نسبة هذه القضية في المجتمع السعودي، لأن كثيراً منها لا ترفع للجهات المختصة لخوف الضحية من المجرم، أو ترفع وتحاط بمزيد من السرية والحذر، مما يجعل الباحث يتعامل مع أخبار منشورة أو قصص للضحايا أنفسهم، لكن المهتم يتقطع حرقة وهو يرى المجرم يعيث دون وجود عقوبة تتناسب مع جرمه المشهود. هل تعلم أيها القارئ الكريم أن هناك فتيات صغيرات غُرّر بهن؟ وأصبحن ضحايا زيارة طائشة لموقع «خطّابة» على النت طلبت الصور فكانت شبكة قذرة للتغرير بالفتيات، بل قد يكون هناك اختراق من قبل «الهكرز» على الجهاز المحمول، وسرقة الصور وتركيبها في أوضاع غير لائقة، وقد وقفت على قصة امرأة متزوجة ابتزت عن طريق محادثة ب«المسن» فُبرك فيها وزيد وأنقص، وغُرّر بها في شبكة قذرة حتى تدخلت الهيئة في إنقاذ الضحية التي لم تعرف كيف تتصرف؟ ولست في مقالي محامي دفاع عن المرأة، بل قد تكون مخطئة وسبباً، لكن لا توجد قوانين تحمي المرأة المظلومة أو المخطئة من الانجراف في أخطاء أكبر في مجتمعنا. كثيراً ما تنعمت بالسماع عن نظام مكافحة جرائم المعلوماتية الذي صدر قبل أكثر من عامين، ودخل حيز التطبيق نص في (مادته الثالثة) على أن الدخول غير المشروع على البريد الإلكتروني لشخص، وتهديده وابتزازه يعد جريمة يعاقب عليها النظام بالسجن لمدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن خمسمئة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكن للأسف لم نسمع عن حالات حوكمت بهذا النظام. (الابتزاز) قضية أخشى إن لم نناقشها ونسلط الضوء عليها أن نصبح يوماً نكتوي من ويلاتها... * داعية، وأكاديمية سعودية. [email protected]