لم يكد ينتهي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من خطابه التاريخي الداعي إلى الوحدة الخليجية، حتى غص الفضاء باستجابات التأييد والتشجيع والمباركة على خطوةٍ من شأنها في نظر المراقبين الإسلاميين التأسيس للوحدة العربية والإسلامية الكبرى. وإذا كانت الوحدة في عالم السياسة والاقتصاد اليوم تقوم على مبدأ المصالح بالدرجة الأولى، فهي في تعاليم الدين الإسلامي أمرٌ معتبر يفضي إلى التلاحم بين المسلمين لما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة، وبما فيه عزتهم ومنعتهم أمام أعدائهم. وتعليقاً على دعوة الاتحاد الخليجي التي أطلقها الملك عبدالله، وتحولت وفق مقررات القمة الخليجية ال32 لدول مجلس التعاون الخليجي إلى مشروع تحت الدرس، أكد الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين الدكتور علي القرة داغي ل«الحياة» أن وحدة الخليج فريضة شرعية وضرورة مصلحية للانطلاق منها إلى وحدة عربية ووحدة إسلامية. ويعزو داغي موقفه المتحمس إلى المئات الأدلة الصحيحة من القرآن والسنة التي تفرض على الأمة الإسلامية الوحدة كقوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)، وقوله (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف)، وقوله (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات وأولئك لهم عذاب عظيم). وبمزيدٍ من التأصيل الشرعي يقول أمين اتحاد علماء المسلمين: «إن مفهوم الأمة المنصوص عليه في الآيات والأحاديث النبوية، لا يتحقق إلا من خلال الوحدة السياسية والاقتصادية، ووحدة العقيدة، بل إن الإسلام ينطلق من توحيد الله بأسمائه وصفاته إلى توحيد الله على مبدأ توحد المسلمين على هذا الدين بمصالحهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولهذا أقف بكل ما لدي مع توجه خادم الحرمين الشريفين، وهو رجل وفقه الله في كثير من الأمور مثل مسألة توسيع مساحة المسعى، وتوسعة جسر الجمرات، وكل ذلك تم على يديه خدمةً للإسلام والمسلمين، وأرجو أن تتم على يديه وحدة الخليج لتكون منطلقاً لوحدة الأمة العربية والإسلامية». ويفضل داغي وهو من علماء دولة قطر، أن تكون الوحدة في بدايتها على مبدأ «الكونفيدرالية» قبل أن تكون «اندماجية» وأن ينطلق الخليجيون من الوحدة الاقتصادية إلى الوحدة السياسية، لأن «التدرج أمرٌ مطلوب، والإسلام دين سعة». ومع أن دعوات الوحدة في ماضي الأمتين العربية والإسلامية، على كثرتها لم توفق في لم الصفوف بل زادت في تعميق الخلافات، إلا أن المراقبين يعزون ذلك إلى تسرعها وقيامها على أساسٍ عاطفي بحت كما حصل بين سورية ومصر زمن عبدالناصر، أو هدف سياسي رخيص كما هي دعوة صدام حسين إلى مجلس تعاون عربي أراد أن يمهد له من أجل إضفاء شرعيةٍ عربية لاحتلال الكويت، وهنا يعلق داغي بالقول: «الوحدة الخليجية لم تخطُ خطواتٍ سريعة، ولكنها ثبتت ولم تفشل، فعدم فشل الخليجيين في مجلسهم هو مؤشر جيد على أنهم لو خطوا خطوة حقيقية إلى الوحدة، من المرجح نجاحهم. أما دعوات الوحدة السابقة، فتلك لم تبن على أسس متينة، كما فعل الرئيس العراقي السابق صدام حسين حينما دعا إلى تشكيل تحالف عربي من دول مصر واليمن والأردن والسودان، وكان ينوي احتلال الكويت، ولم يلتفت إلى شعبه في حلبجة». ودعا الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين إلى أن تؤسس الوحدة الخليجية على وحدة الشعوب، من خلال مؤسسات المجتمع المدني بمنظماتها الأهلية واتحاداتها، التي طالب بتوحيدها أولاً، ومن ثم تربية وتثقيف الجيل الجديد على أهمية الوحدة، مستدلاً بالمثال الأوربي، «إذ إن الأوربيين فرضوا في مدارسهم تدريس مصالح الوحدة من رياض الأطفال وحتى المرحلة الجامعية، فتربى جيل عام 1967 على أن مصلحتهم في الوحدة، وهم من أقاموا الآن الوحدة السياسية والاقتصادية الأوروبية». ...وبن بيه يعتبرها عامل قوة لمواجهة التحديات والطامعين