«خلينا نزين بيوتنا بالشموع وقلوبنا بالمحبة وكفى». «من لديه روح لمظاهر الفرح بعيد الميلاد في الظروف القاسية التي يعيشها بلدنا وشعبنا». «لنشعل معاً شمعة سلام لأرواح الشهداء ليلة العيد». «شارك بتخسر شمعة... وبتربح وحدة بلدك». دعوات متعددة أطلقها مسيحيو سورية هذا العام، للتعبير عن الحزن الذي يعيشه الجميع حتى في فترة الأعياد، كيف لا وكثير من الأسر السورية فقدت حبيباً أو ابناً أو أباً أو طفلاً. لن يملأ صخب الميلاد وترانيمه سماء المدن السورية هذه السنة، وقد أشاع الموت ضجيجاً من نوع آخر في الشوارع والأزقة، ولن يفترش الأطفال كالمعتاد الساحات احتفاء ب «بابا نويل»، كما لن يجد الصبايا والشباب رغبة في السهر والرقص. لا مكان للحلويات والمشروبات التي يشتهر بها هذا العيد في الأسواق، والأسر منهمكة بتأمين أساسيات الحياة في الأمكنة التي لا تزال تعبق بالحياة، بينما يزداد عدد المحتاجين والأيتام والجرحى والمرضى في أمكنة أخرى... الكل مشغول بالضحايا. مشغول بما يحمله الغد الآتي، بنهاية هذا النفق «المظلم». «بما أن عيد الميلاد يأتي هذه السنة والحزن يملأ قلوبنا على سورية الغالية وعلى روح كل شهيد، سنحتفل بالعيد فقط من خلال إشعال شمعة على الشبابيك والشرفات ليلة الميلاد... شموع نور... نور يرمز للسيد المسيح الذي هو النور الحقيقي»، مبادرات مثل هذه جمعت أبناء الطوائف المسيحية وهي تستقبل الأعياد. المسيحيون الذين أبوا أن يمارسوا أي مظهر من مظاهر الفرح، ودم الشهداء لم يجف بعد، كما تؤكد إحدى السيدات الناشطات في كنيسة في دمشق: «أكيد ما حدا منا راح يعيِّد أو يزيِّن، لأنو يللي ماتوا هم أولادنا، أولاد بلدنا. وبقلبنا حزن على كل شهيد. سوف نصلي لأرواح الشهداء وليحمي الله جميع السوريين!». جدل كبير أثير منذ بداية الأحداث في سورية حول موقف المسيحيين وهم جزء أساسي وأصيل من النسيج الوطني والتاريخي لسورية، تصنيف طائفي لم تعرفه البلاد سابقاً، تزامن مع تصريحات متضاربة لرجالات الكنيسة في بلد عاش تاريخاً مشرفاً من التعايش المشترك يتجلى حتى في الأعياد، لم يكن أي من أبناء الشعب السوري يوماً غريباً عن الآخر بصرف النظر عن انتمائه الديني، بل هناك شعائر يشترك فيها الجميع واحتفالات يشترك فيها الجميع. واللافت هذا العام تأكيد أوساط دينية وشعبية، وبشكل خاص في بعض المحافظات السورية مثل حمص ومنطقة الجزيرة، قرار المسيحيين إلغاء مظاهر الاحتفالات بعيد الميلاد كافة، وحصرها بالصلوات والقداديس داخل الكنائس فقط، نظراً الى الأوقات العصيبة التي يمر بها الوطن، وتعاطفاً مع أُسر الشهداء، ما أثار ردود فعل إيجابية بين الجميع، ومطالبات بأن تتخذ بقية الكنائس السورية المسار نفسه، وأن تصدر بيانات تطلب من رعايها إلغاء كل أشكال الاحتفال بالأعياد، تعاطفاً مع معاناة الناس ومع كل مَن فَقَدَ أحد أحبته. وإذا كانت ثمة مخاوف وهواجس مشروعة بالنسبة الى الكثير من المسيحيين كما غيرهم من السوريين، حول ما يحمله المستقبل من شروط سياسية وثقافية واجتماعية، وتطلعهم لغد يليق بخصوصية تكوينهم وبمكانتهم الوطنية على حد تعبير البعض، يلوم آخرون أبناء الطوائف المسيحية لموقفهم الذي لايزال في أحيان كثيرة متوجساً ومتردداً. ولكن في الواقع، لم ينتظر المسيحيون في سورية حسماً لهذا الجدل، بل آثروا، وبصرف النظر عن أي اصطفافات سياسية، التضامن مع إخوانهم الذين تزداد معاناتهم ولديهم شهداء أو سجناء أو جرحى، وأطلق بعضهم حملات مناصرة، مثل «حملة بشارة الميلاد للمحبّة والتسامح» بهدف إيصال تبرّعات عينيّة وغذائية إلى الجمعيات الخيرية التابعة لأديان مختلفة في محافظة حمص التي تعيش فاجعة، وذلك كرسالة بشارة بالتآخي والتعاضد بين أطياف المجتمع السوري لمناسبة العيد، المبني على أساس التسامح والمحبة. حملات لقيت أصداء إيجابية، لجعل العيد عيد صلاة لأجل أرواح الشهداء عسى أن يكون الميلاد ميلاد وطن محبة للجميع، وعبّر الكثيرون عن دعمهم لها، كأحد الذين كتبوا على الفايسبوك، مرحباً: «أنا سوري ومسلم، وأتشرّف بالمشاركة معكم بحملة شمعة السلام النبيلة احتفالاً بعيد الميلاد!».