يبدأ الأمر بنصيحة في وقت عصيب كموسم الامتحانات، أو للتأقلم مع ضغط العمل، بحثاً عن ساعات نشاط إضافية للإنجاز، ثم يتدرج إلى «علاج موقت»، قبل أن «يستساغ» ويتحول إلى خيار دائم للمشروبات الغازية والعصائر. بدأت مشروبات الطاقة تظهر بوضوح في أيدي الشباب في السعودية، بعضهم يحتاجها إذا اضطر للبقاء في العمل أو لأمر طارئ أجبره على البقاء متيقظاً. ومنهم من يستخدمها بسبب طبيعة عمله الطويل والمتأخر، فيما يقبل عليها البعض وكأنها مشروب غازي أو بديل للسوائل كالماء والعصائر وغيرها، باعتبار أنها مرخصة ولا يوجد حظر على بيعها لكل الأعمار. وجدت مشروبات الطاقة بأنواعها المختلفة طريقها إلى الأفراد عام 1901 في اسكتلندا، ومع مرور الوقت ازداد الطلب عليها، لتزدهر تجارتها مع بروز المنتجات الخاصة بالحمية والمنخفضة السعرات الحرارية. وظهرت أول علامة تجارية لها عام 1977 في الولاياتالمتحدة الأميركية، وازدهرت صناعتها واتسع انتشارها حتى وصل إلى أكثر من 500 علامة تجارية مختلفة في عام 2006. وتحتوي هذه المشروبات على مواد تساعد الجسم على استعادة الحيوية لاحتوائها على نسبة كبيرة من الكربوهيدرات، السكروز، الغلوكوز، فيتامين ب، ثاني أوكسيد الكربون، حمض السيتريك والتورين إضافة إلى احتوائها على نسبة كبيرة من السكر، ونسبة كبيرة من الكافيين تصل في بعض الأحيان ما يعادل 20 مرة الكمية الموجودة في المشروبات الغازية. وتلقى هذه المنتجات إقبالاً ملحوظاً من الشباب والبالغين، كما أقبل عليها الأطفال بحجة أنها لذيذة وغير ممنوعة! ومع عدم المنع العلني لتعاطي هذه المشروبات، وعلى رغم أنها سبب رئيسي للعديد من الأمراض، تحديداً لمن تقل أعمارهم عن 18 سنة، تواجه الأسر السعودية مشكلة صحية لا تكلف سوى 2 إلى 6 ريالات، ولا تبعد سوى خطوات قليلة عن يد المستهلكين. ومن الأمهات اللواتي واجهن مشكلات من هذه المشروبات عبير ناصر التي لاحظت أن ابنها فواز (14 سنة) ذا الوزن الزائد، استبدل المشروبات الغازية التي كانت تحذره من تأثيرها، بأحد مشروبات الطاقة المنخفضة السعرات، ليتناول أكثر من 3 عبوات يومياً. لكنه بدأ يلاحظ تسارع نبضات قلبه، فتوقف بأمر الطبيب عن شرب هذا المنتج كونه غير مناسب لعمره أو صحته. وتقول السيدة أن ابنها تعرف إلى مشروب الطاقة عبر أصدقائه في المدرسة، الذين يشربونه كبديل من وجبة الإفطار، وتتساءل عن دور المدرسة في مراقبة الطلاب في حال تعرض أحدهم لأزمة صحية كتسارع في نبضات القلب أو اختلال في الضغط خلال ساعات الدوام المدرسي. وعلى رغم أن والدة فواز حذرته مراراً من الآثار الضارة لهذه المواد، إلا أنّ الرد الدائم كان يأتي من الزوج هذه المرة وهو أنه وابنه يشربانها بكمية معقولة. لكن المشاكل ازدادت بسبب هذه المشروبات لتصل إلى خلافات حادة دفعت السيدة إلى الاعتقاد بأن ابنها وزوجها وصلا إلى حد إدمان مشروبات الطاقة، وهما يجيبان بأنها لا تختلف كثيراً عن المشروبات الغازية، ولا علاقة لها بأي نوع من الإدمان وأن تخوفها لا مبرر واضحاً له. ولكن، يبدو أن مخاوف الأم لا تخلو من بعض الصحة. فمعلوم إن استخدام مشروبات الطاقة للمراهقين تحت سن 16 سنة خطير لتأثيرها الكبير والضار على هذه المرحلة العمرية، لاحتوائه نسب عالية من الكافيين الذي يتم تركيزه في الدم وعند انقطاع تناول المشروب يستهلك الجسم الكافيين الموجود فيه فتقل نسبته في الدم، ما يؤدي إلى حال من القلق والتوتر لا تهدأ إلا مع شرب كمية أخرى من المشروب، وهو ما يشبه الإدمان إلى حد بعيد. وفي المقابل، تقر سمر عادل بأن تناولها لهذه المشروبات يقارب الإدمان. فهي تتناولها منذ سنوات، وكانت البداية أيام الجامعة كونها كانت شائعة في تلك الفترة وتعتبر نوعاً من الوجاهة لارتفاع ثمنها مقارنة ببقية المشروبات. إلا أن شعورها المستمر بالإعياء بمجرد مرور ساعات على انتهاء العبوة دفعها لمراجعة الطبيب الذي نصحها بالتخفيف من هذه المشروبات واستبدال القهوة أو المقويات الطبيعية بها لتتخلص في شكل تدريجي من تأثير الكافيين على جسمها. ويلجأ البعض إلى هذه المشروبات كنوع من الحمية، فيستبدلها بالوجبات. «أم منار» مثلاً فقدت جزءاً من وزنها في فترة قصيرة من طريق استبدال وجبات الغذاء بالمشروب، لكن الإرهاق الواضح عليها دفع زوجها إلى نقلها إلى المستشفى لتكتشف أنّ حالها الصحية تعاني من تدهور شديد وأنها كادت تؤذي كبدها. وفي الوقت الذي جعل بعض الدول الغربية بيع مشروبات الطاقة مقتصراً على الصيدليات كفرنسا وكندا، أو منعها تماماً مثل استراليا، والنروج، وتايلاند وماليزيا، إلا أنها لا تزال تباع في معظم المحلات التجارية في السعودية من دون أي رقابة على المستهلك سواء كان شاباً، بالغاً أم طفلاً، لتقع مسؤولية الرقابة الصحية على عاتق الأسرة وحدها، مقابل حملات ترويجية ضخمة ورغبة في مجاراة الجديد بين الشباب وإقبال كبير يفتقر إلى الوعي.