أن تدرس قرابة خمس ساعات في قاعات متباينة الأماكن، تحت أشعة الشمس، من دون أكل وشرب، فهذا يعني أن الطاقة الجسدية وربما النفسية ليست على ما يرام، ما يجعل من الإفطار الرمضاني في المسجد خياراً مفضلاً للمبتعثين خصوصاً العزّاب. ليس الإجهاد الجسدي فحسب وراء اللجوء إلى الإفطار في المسجد، إذ يعاني عدد من المبتعثين من أمية في الطبخ، لم تفلح الغربة في رفعها. أحياناً إغراء السرير يبدو أقوى من المطبخ بعد المحاضرات، فيفضل الطلاب قيلولة قبل الإفطار ثم التوجه إلى المسجد. زياد الخلف مبتعث في مقاطعة يوغين، وساكن مع إحدى العائلات الأميركية، إلا أنه يفضل الإفطار في المسجد بدلاً من الأكل وحيداً في البيت، نظراً إلى تفاوت أوقات الأكل بينه وبين العائلة. يقول: «العائلة تأكل وجبة العشاء قرابة الساعة السابعة ليلاً، في حين أن أذان المغرب يكون الساعة التاسعة، ما يجعلهم يضعون عشاء منعزلاً، إلا أني أفضل الإفطار في المسجد». يجد الخلف صعوبة في الصيام في رمضان، إذ سيضطر للنوم باكراً نظراً لتغير جدوله الدراسي. عدم محبته للطبخ هي الأخرى سبب قوي للذهاب إلى المسجد، فضلاً عن أن الإفطار في المسجد ليس أكلاً فحسب، بل لُحمة دينية والتقاء اجتماعياً، يخفف الحنين إلى الوطن أحياناً، يقول راكان الحربي: «حتى وإن افتقد المبتعث ما تعود عليه من طقوس رمضانية في بلده وبين عائلته، إلا أن الإفطار الجماعي يخفف مشاعر الغربة التي نشعر بها جميعاً». يلفت الحربي إلى أن واقع الإفطار الجماعي في المسجد، ليس بعيداً عن واقع الخيام الرمضانية الموجودة في السعودية، إذ يجد عدد من الجاليات المسلمة، متعة في الأكل فيها، أكثر من الأكل في البيوت. إذ يلتقون مع أصدقائهم ويتبادلون الأحاديث وينثرون الهموم لبعضهم، كحال المبتعثين. وحول التوفير المالي يقول: «رمضان يأتي بعد إجازة الربيع، ولا شك أن عدداً من المبتعثين سافروا لعدد من المدن والولايات المجاورة، ما يجعل الحافز للإفطار في المسجد أكبر». وأوضح أن «الإفطار في المسجد أفضل من المطاعم، خصوصاً أن الطبخ من أيدي الشباب المتطوعين، كما أحب أن أشكر جهود القائمين على المسجد والإفطار، إذ يقوم على التبرعات والتطوع، وهذا أمر جميل يستحق الافتخار». وأضاف: «أجمل ما في هذا الشهر تعاون المبتعثين في إعداد الفطور، واجتماعهم لأداء صلاة التراويح للتغلب على الشعور بالغربة والبعد عن الأهل في هذا الشهر الكريم، وستظل هذه التجربة عالقة وخالدة في أذهاننا مهما كبرنا».