يذكر متابعو شؤون السينما عن قرب ولا سيما منهم المعجبون بأعمال المخرج الأميركي الراحل ستانلي كوبريك، كيف أن صخباًَ ثار قبل نحو ثلث قرن وأكثر من الآن من حول اقتباس هذا المخرج الكبير لعمل روائي من كتابة ستيفان كينغ الذي على رغم غزارة أعماله وكون الكثير من هذه الأعمال قد اقتبس للسينما لم يعتبر أبداً من كبار الكتّاب الأميركيين. ومع هذا لم يفت كينغ يومها أن يندّد باقتباس كوبريك لروايته المشوّقة «إشراق» في فيلم حمل العنوان نفسه... واعتبر - ولا يزال يعتبر حتى اليوم - واحداً من اعظم وأقوى أفلام الرعب في تاريخ الفن السابع. احتج كينغ يومها لأن كوبريك بدّل بعض الشيء في عمله إذ اقتبسه، غير مدرك أن بعض كبار الكتّاب المعاصرين والأكبر قيمة منه من أمثال ارنست سي كلارك وانطوني بارغيس كانوا يرون أن تدخّل كوبريك في روايات لهم حين اقتبسها - ومن بينها «أوديسة الفضاء» للأول و»البرتقال الآلي» للثاني- كان غنى لأعمالهم معترفين أن للسينما لغتها وللأدب لغته. احتجاج كينغ يومها جعله يشرف بنفسه على اقتباس تلفزيوني للرواية نفسها، «إشراق» فكانت النتيجة أن ذلك العمل الجديد سقط سقوطاً مدهشاً بحيث أن كثراً ظلوا مؤمنين بأن عبقرية كوبريك كانت هي ما انقذ رواية كينغ! اليوم، بعد رحيل كوبريك بأكثر من دزينة من السنوات وإذ يواصل مخرجو السينما والتلفزيون اقتباس روايات وقصص لكينغ من دون أن يصل أيّ منهم إلى القمة التي وصل إليها كوبريك في أيّ من أعماله، ها هو موسم ثان لمسلسل «هافن» الأميركي يبدأ عروض حلقاته. والمسلسل الجديد يتألف من حلقات كثيرة ويجري الحديث عن موسم ثالث له. فما علاقة هذا المسلسل ومواسمه المتلاحقة بالحديث عن كوبريك وكينغ؟ العلاقة هي أن «هافن» مقتبس عن رواية قصيرة لستيفان كينغ نفسه... ومنتج المسلسل صرّح أخيراً إلى مجلة «بروميار» الفرنسية بأنه والمنتجين الآخرين للمسلسل اشتغلوا على نصّ كينغ الذي بالكاد كان يكفي لملء حلقتين تلفزيونيتين مضيفين إلى الأحداث البوليسية للنص الأصلي حوادث وتفاصيل غرائبية ومرعبة كي يتحول إلى مسلسل في مواسم! إذاً، ما كان رفضه كينغ قبل اكثر من ثلث قرن لواحد من اعظم مبدعي الفن السابع في تاريخ هذا الفن، قبله للإنتاج التلفزيوني بكلّ طيبة خاطر. هل هي علامات الزمن تشتغل قبولاً بعد رفض؟ أم هو إغراء المال التلفزيوني؟.. أم أن في الأمر اعترافاً بأن المشكلة كمنت بالنسبة إلى «إشراق» في أن اسم المخرج طغى يومها على اسم الكاتب فكان احتجاج هذا الأخير طريقته في التعبير عن غضبه لأن أحداً لم يتنبه لوجوده في الفيلم؟ مهما يكن قد تكفي اليوم مشاهدة حلقة من مسلسل «هافن» ثم العودة لمشاهدة «إشراق» للوصول إلى جواب حاسم!