جمعت الروائية السعودية بدرية البشر باقة من مقالاتها الصحافية التي دأبت على كتابتها، في كتاب عنوانه «تزوّج سعودية» (صدر حديثاً عن دار «كتّاب» في الإمارات). وفي جمعها هذه المقالات استطاعت أن تحرّرها من الطابع الصحافي مضفية عليها سياقاً أدبياً ينتمي إلى ما يُسمّى الأدب الواقعي والثقافة اليومية. وقراءة هذه المقالات مجتمعة في كتاب تختلف عن قراءتها المتقطعة في الصحافة. إنها هنا، تتوالى وتتداخل لتصنع مناخاً حافلاً بالطرافة والسخرية والألفة والنقد الذي يغدو لاذعاً في أحيان. ويمكن من خلال قراءة هذه المقالات بالتتابع استخلاص نظرة الكاتبة إلى العصر والواقع، كما إلى المجتمع والبيئة، كما إلى القضايا الكثيرة التي تشغل المواطن (المواطنة) في العالم العربي الآن. إنها كتابة ترتكز إلى سجيّة الكاتبة، تمارسها بحرّية وجرأة، فاضحة بعض العيوب وساخرة من بعض الظواهر النافرة وكاشفة «الأمراض» الاجتماعية التي تكتنف حياة الناس. وقد سعت بدرية البشر إلى توظيف خبرتها في الكتابة السردية مشفوعة بثقافتها في حقل علم الاجتماع الذي تخصّصت به أكاديمياً. فالسخرية لديها لا تبدو مجانية، حتى وإن بدت طريفة أو قاسية أحياناً، بل هي تهدف من ورائها إلى إسقاط الأقنعة عن الوجوه وتسمية الأمور بأسمائها ووضع النقاط على الحروف كما يُقال. إلا أنّها لا تتنكب أداء دور «المصلح» الاجتماعي الذي غالباً ما يكون ثقيل الظل، ولا تدّعي أنّها ألقت على عاتقها مهمّة الإصلاح، كما يدّعي بعضهم... إنها ببساطة تامّة تكتب بجرأة وتنتقد وتفضح وتسخر انطلاقاً من إيمانها بالكتابة التي تتوجه إلى الإنسان، فرداً وجماعة، فتخاطبه وتحاوره... لا تدع بدرية البشر موضوعاً أو قضية ترتبط ب «الثقافة اليومية» إلا وتسعى إلى معالجتها. كأنها توظف عينها (عين الكاتبة) لتراقب وتلحظ وتلاحظ، وفي أحيان، عندما يُعييها البصر، تعتمد العدسة المكبّرة، لترى ما يحصل في السرّ أو الخفية. ها هي مثلاً تكتب في «اشترِ الآن» عن سطوة الإعلان الذي بات يسيطر على حياتنا، منذ الصباح حتى المساء، في الصحف والإذاعة والتلفزيون وسواها... وفي مقالتها «إشارة المرور» تلحظ كيف يحدّق راكبو السيارات بعضهم إلى بعض بحيرة، عند توقفهم أمام الإشارة الحمراء. وفي مقالة طريفة جداً عنوانها «ببساطة أنت وسط العالم» ترسم صورة فاضحة ل «الحياة» العالمية التي نحياها يومياً نحن العرب: الاستيقاظ على رنين ساعة سويسرية، إفطار الكورن فليكس الفرنسي، قهوة النسكافيه الأميركية، الشاي السيلاني، السيارة الألمانية، البريد الإلكتروني، التلفون الياباني... وهكذا دواليك حتى النوم أمام الشاشة الصغيرة الآتية من اليابان أو السويد أو... ولا تنجو «الأخطاء المطبعية» من سخريتها، وترى فيها «أطرف الموضوعات وأشدّها ارتباطاً بالمثل القائل: شرّ البلية ما يُضحك» وتورد أمثالاً: البطل الفظ (بدل الفذ)، تجهيل المدينة (بدل تجميل)، يجثث (بدل يبحث)، المدمن (بدل المؤمن)... أو «الوزير الفلاني يختفي بالوزيرة الزائرة (بدل يحتفي)... ولا تتجاهل «الزعاق العربي» الذي تصفه بأنه «ظاهرة حوار عربية لا يمكن أن نقفز فوق تاريخها الاجتماعي الطويل المتأصل فينا...». وكذلك «أكذوبة احترام الآخر» التي تطغى على الخطاب العربي و»الكسل» الذي ينقسم نوعين: الكسل كفلسفة حياة يختارها الإنسان والكسل كحالة يعيشها الإنسان من دون أن يختارها... أما سخريتها فتتوزّع المقالات كلّها، كأن تقول: «دخل السعوديون ضمن سباق السمنة فاحرزوا نسباً مرتفعة فيها...». وفي مقالة «المساج» تحاول زوجة أبو علي استرضاءه بأن «تسوّي له مساجاً»، فيرفض وفي ظنّه أن المساج أكلة مثل الجريش... وفي مقالة «تزوّج سعودية» تنصح الرجال السعوديين بالزواج من السعوديات لأنهم يستطيعون أن يضربوهن ويحصلوا على رواتبهنّ، إمّا بالابتزاز العاطفي أو القوة، وهم لن يجدوا مَن يحاسبهم... أما في مقالتها «لا تتزوّجي سعودياً» فهي تقول للمرأة التي طلبت منها الإرشاد: «لا تتزوّجي سعودياً حتى يسألنا القضاء لماذا؟». تكتب بدرية البشر بحرّية وجرأة، تكسر في أحيان «التابو» الاجتماعي وتواجه الرقابة «الأهلية» والشعبية. تخوض معركة المرأة المنادية بحقوقها وتدافع عن الإنسان المظلوم، أياً يكن. وتقارب بعض المقالات فنّ السرد حتى لتصبح أشبه بالقصص أو اللوحات السردية القصيرة. تكتب صاحبة «هند والعسكر» المقالة بعفويّة وشغف وطرافة. ومثلما تتميّز بالموضوعات التي تختارها بحذاقة تتميز باللغة الحيّة التي تعتمدها وتُدخل فيها أحياناً مفردات وتعابير عامية، تأكيداً لارتباطها بالذاكرة والوجدان الشعبيين