في وقت ينشغل فيه العالم في شكل عام والدول العربية في شكل خاص بالحراك السياسي المطالب بالاصلاح من جهة، وبانهيار انظمة وصعود أخرى من جهة أخرى، سلكت مجموعة من المجتمع المدني الأردني خطّاً مغايراً للحراك السياسي، مركزة على أمور أخرى لا تقل أهمية عن السياسة في نظرها. وشكلت المجموعة حركة احتجاجية مطالبة بحماية غابات «برقش» (شمال الاردن) ممّا وصفته ب «الاعدام». وكانت القضية أخذت بعداً متعدد النضال، بسبب «حساسيتها»، إذ إن التوجه كان يقضي بقطع آلاف الأشجار التي يعد عمرها بمئات السنين، من أجل بناء كلية عسكرية. وبعد عدد من التحركات والاعتصامات التي جابت الدوائر الحكومية المعنية في الأردن، أصدرت الحكومة قراراً «بقطع الأشجار الموجودة على الأرض المملوكة للقوات المسلحة فقط، على ان تُدرج باقي الأراضي تحت مُسمّى أراض حرجية – خزينة»، وفق وزير الزراعة سمير الحباشنة. الإبقاء على غابة برقش ك «متنفس» للأهالي، لقي صدى في الشارع الاردني، وبخاصة عند نشطاء البيئة. وعلى رغم ان البعض اعتبر القرار الصادر عن الحكومة «جزئياً»، فإنه وصف ب «الانتصار الكبير» في مجمله. واستطاعت الحملة الوطنية ل «إنقاذ غابات برقش من الإعدام» انتزاع تعهد حكومي بعدم قطع أي شجرة هناك. ورهنت توقيف حملتها الوطنية بصدور قرار آخر لإلغاء تفويض 981 دونماً من أراضي الأحراج لإقامة مشروع الكلية العسكرية، مستندة الى القوانين التي لا تجيز تفويض الاراضي الحرجية الى اي شخص او جهة او تخصيصها او بيعها او مبادلتها مهما كانت الاسباب، ولا تجيز تقسيم الاراضي الحرجية داخل حدود التنظيم او تغيير صفة استعمالها، كما انها تحظر قطع اي من الاشجار الحرجية المعمرة او النادرة، والنباتات البرية. واعتبر الناشط والكاتب جهاد محيسن، ان عدم تسلّل اليأس إلى نفوس النشطاء في المجتمع المدني في الحملة على مدى شهور طويلة، ادى الى تحقيق الانتصار، ولو جزئياً، في «الحفاظ على متنفس بيئي صحي للناس... بعض الشجر فيه موجود منذ قرون». وكانت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة طالبت بتغيير موقع الكلية العسكرية حفاظاً على الغابات النادرة الموجودة في المنطقة، وقالت ان المرحلة الأولى من الكلية العسكرية المزمع انشاؤها في غابات برقش ستؤدي إلى قطع حوالى 300 شجرة يصل عمر بعضها إلى 500 سنة. ولفتت إلى أن السير في إنشاء المرحلة الأولى وفق المخططات الحالية، سيؤدي إلى تدمير كامل للنظام البيئي الموجود في المنطقة، شارحة أن المرحلة الأولى تقضي بإنشاء أبنية على مساحة 45 دونماً من الأراضي الحرجية، معتبرة أن هذا يشكل مخالفة صريحة لقانون الزراعة الأردني. وأوضحت أن إقامة المشروع على الغابة يشكل مخالفة للمادة 35 الفقرة «ب» من القانون، والتي تنص على «حظر قطع أي من الأشجار الحرجية المعمرة أو النادرة والنباتات البرية المهددة بالانقراض أو إتلافها أو الاعتداء عليها بأي شكل من الأشكال». وكان سكان المنطقة الواقعة فيها غابات برقش، وقفوا الى جانب النشطاء في المطالبة بتغيير مخطط المشروع والانتقال الى منطقة أخرى بعيداً من الغابات. وكان نشطاء بيئيون وجّهوا أصابع الاتهام الى مجلس النواب الاردني بمخالفة قوانين البيئة والزراعة، في موافقته على قطع 300 شجرة لإنشاء مبان، معتبرين ان موافقة النواب سابقة خطيرة ستستخدمها جهات اخرى في المستقبل للاعتداء على الثروات الحرجية الشحيحة اصلاً في الاردن. ودعت جمعيات بيئية عدة الحكومة الى إجراء دراسة تقويم للأثر السلبي الذي سيخلفه الاعتداء على غابات برقش، بخاصة ان نسبة الغابات في الأردن قليلة جداً لا تتجاوز الواحد في المئة من مساحة البلد، وهي تتناقص إما بالعبث والتعرض للإحراق، أو بسبب بناء المشاريع عليها، محذرة من احتمال اختفائها تماماً.